ما هي قصة “ينباعوا بالعزا”؟
تتردد على ألسنتنا جملة في موقف معين، لا نتوقف لنفكر فيها كثيراً، ولا نعلم من أين أتت؟ لكن الموقف يستوجبها فتحضر لتعبر عنه وتمضي، مع أننا لو قمنا بتفسيرها حرفياً ستكون بلا معنى يمت بصلة للموقف الذي استدعى قولها، لكن الدلالة التي تحملها هي التي تتصل به اتصالاً مباشراً.
للدلالة على الاستخفاف بشخص قام بفعل مستهجن أو مستنكر والتقليل من أهميته نتيجة هذا الفعل، يُقال “ينباع بالعزا” أو “ينباعوا بالعزا”، وبالنظر إلى حرفية الجملة، نرى أن هناك شيئاً يُباع في العزاء (الذي يقام في حالة الموت)، وهو موقف لا يحصل فيه عادة بيع أو شراء، ولو كان يدل على بيع أشياء تخص المتوفي، فالمفترض أن تكون ثمينة ولا تباع برخص كما يحمل مدلول القول.
بالبحث عن أصل الجملة ومعناها الحقيقي، تذكر مصادر مختلفة أنها تعود إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى، وفترة “السفربرلك”، فحين كان العثمانيون يسوقون الرجال إلى الحرب، كان البعض يهرب من التجنيد الإجباري عن طريق ادعاء الوفاة.
وكان أهل المطلوب وأقاربه أو أهالي قريته يتضامنون معه، فيقيمون له عزاءً شكلياً، حتى يقتنع الأتراك بأنه فعلا توفي، في حين يهرب هو أو يتوارى عن الأنظار لفترة طويلة، وقبل هربه يبيع كل ما يملك، أو يقوم أهله ببيع أملاكه زيادة في التأكيد على وفاته بأن باعوا كل ما يخصه، وحتى يستطيع امتلاك مبلغ يساعده في فترة سفره أو هربه (خاصة إلى الجبال)، وهي فترة قد تطول وتمتد.
ويترك “المتوفى” الهارب خلفه أشياء دون قيمة، وغير مهمة في نظره، ليبيعها أهله وأصحابه، ومن هنا جاءت كلمة “ينباع بالعزا”، أي هو دون قيمة ويمكن أن اتركه خلفي دون اهتمام.
”ينباع بالعزا” وغيرها كثيرمن المصطلحات المشابهة، تعبر عن حالة اجتماعية تقوم على عدم الاهتمام بمصير شخص ما، أو التقليل من قيمته، وترتبط بنوع من الأنانية وحب الذات في حال كان هناك تحقيق لمصلحة القائل على حساب أناس آخرين، على اعتبار أن مصيره أهم، ويمكن أن تأتي نتيجة تصرف سيء أتاه أحدهم، فخفت مكانته وأهميته.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر