في ذكرى إعدامه في دمشق .. ما قصة الجاسوس “الإسرائيلي” ايلي كوهين ؟
في منتصف العام 2018، زعمت الصحف “الإسرائيلية” في خبر احتفالي وبلهجة “المنتصر”، وصول الاستخبارات “الإسرائيلية” (الموساد)، لساعة يد جاسوسها “إيلي كوهين”، الذي تم إعدامه في18 أيار 1965 بدمشق، بعد أربع سنوات من عمله الجاسوسي فيها، فمن هو “ايلي كوهين”؟
ولد “إيلياهو بن شاؤول كوهين” في كانون الأول 1924 في مدينة الإسكندرية بمصر، وتلقى تعليمه فيها وصولاً إلى دراسة الهندسة الإلكترونية بجامعتها، وتذكر بعض المصادر أن أسرته ذات أصول حلبية، لكنها استوطنت الإسكندرية قبلها بعقود.
وفي نهاية الأربعينيات، استقرت بوصلة الأسرة سياسياً على الولاء ل”اسرائيل”، وقررت الرحيل إلى فلسطين المحتلة، تاركةً إيلي في الإسكندرية ليكمل تعليمه، حيث قرر الأخير في ذلك الوقت الانضمام للجيش المصري، رغم وجود قانون يعفيه مقابل قيمة مالية كونه يهودياً.
وقوبل طلبه بالرفض لشكوك أمنية في ولائه، وعمل بعدها كوهين في تهريب اليهود والمال لمدة عامين، وألقي القبض عليه وخرج سريعاً منها لعدم كفاية الأدلة، حيث بقي عامين يحاول تهريب اليهود والمال، حتى رحل في نهاية 1956 إلى فلسطين المحتلة، وانضم للوحدة “الاسرائيلية” 131، وعاود نشاطه في مصر..
ومع سقوط الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961، ألقي القبض على كوهين، بتهمة عمله في الوحدة 131 التي كانت تتشكل من ضباط ورجالات المخابرات “الإسرائيلية”، المدربين ليس فقط على التجسس، ولكن أيضاً على الاغتيالات والتخريب، وخرج مرة أخرى معافى منها.
وأعيد تشكيل وتدريب من نجا من معتقلي الوحدة 131، وبينهم رجال الصف الثاني مثل كوهين، في وحدة جديدة مكلفة بنفس التزامات الوحدة 131، وهي الوحدة 188 الخاضعة للموساد وليس المخابرات العسكرية (أمان)، والتي ستصير بعد ذلك نواة الوحدة سيزاريا، وهي الوحدة الخاصة بالاغتيالات في الموساد.
وتدرج كوهين حتى صار جاهزاً للعمل في المهنة التي تُعرف فنياً بوحدة “العمليات القذرة”، فتلقى تدريبات متابعة وهروب، تصوير، تدريبات لتعزيز الذاكرة، نقل رسائل، استيعاب، تشفير وتحليل، واجتاز تدريباً قصيراً في مجال المواد المتفجرة.
وتعلم كوهين أيضاً تلاوة آيات القرآن، ودرس معلومات عن سوريا، وحسّن لهجته، وأطلق شاربه بشكل خاص لينخرط بين السكان السوريين المحليين، ثم انتقل إلى “بوينوس أيريس” عاصمة الأرجنتين باسم “كمال أمين ثابت”، على هيئة تاجر سوري، ليتقرب من السوريين هناك، حيث أقنعه السوريون أنه حان الوقت “للمهاجر الذي نشأ في الأرجنتين للعودة أخيراً إلى حضن الوطن وخدمته”.
وبالفعل، وصل “ثابت” إلى دمشق كتاجر أثاث سوري، ولقي ترحيباً من الأوساط الاجتماعية والسياسية، وأجرت معه إذاعة دمشق لقاءً لايزال تسجيله موجوداً، وهو يتحدث عن الأعمال التي سيقوم بها في سوريا، بصفته “المهاجر العائد إلى بلده”.
تدرج كوهين في العلاقات والنفوذ، وصولًا إلى شخصيات القيادة القطرية والدائرة الضيقة في وزارة الدفاع، ووصل إلى معلومات شديدة الأهمية، بحسب مزاعم “إسرائيلية”، بخصوص الدفاعات السورية بالجولان.
وخطط الجاسوس مع سوريا لحجب المياه عن “إسرائيل”، الأمر الذي ذهب بالكُتّاب ”الإسرائيليين” لاعتباره حجر الزاوية في نجاح الهجوم في حرب 67، التي لم يشهدها كوهين حيث تم إعدامه قبلها بعامين.
وبجسب المزاعم، ففي أيلول 1962، صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان، حيث صوّر تحصينات فيها بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده أنتجتها المخابرات “الإسرائيلية” والأمريكية، ومن هنا كان الزعم “الاسرائيلي” باستعادة الساعة.
وتضاربت الروايات حول الطريقة التي تم كشف الجاسوس فيها، حيث تقول أولها إنه مع كثرة المعلومات الحساسة التي كشف السوريون تسريبها، ومع كثافة الموجات الناقلة لها، قررت جلب جهاز متقدم من الاتحاد السوفييتي يرصد مصدر الموجات، وبالفعل نجح الجهاز في تتبع الموجات التي يرسلها إيلي كوهين من منزله حتى تم القبض عليه.
فعندما كانت تمر أمام بيته سيارة رصد الاتصالات الخارجية، تم الضبط أن رسالة مورس وجهت من المبنى الذى يسكن فيه، فحوصر المبنى على الفور، وقام رجال الأمن بالتحقيق مع السكان ولم يجدوا أحداً مشبوهاً فيه، إلا أنهم عادوا واعتقلوه بعد مراقبة البث الصادر من الشقة.
رواية أخرى تم تناقلها عن طريقة كشفه، وهي أن السفارة الهندية اشتكت من التشويش الذي تتعرض له رسائلها اللاسلكية، بسبب موجات يجري إرسالها من نقطة قريبة، وباستخدام الجهاز المستقدم من الاتحاد السوفيتي، والذي أصبحت مساحة رصده أقل تم الوصول إلى منزل كوهين.
وهناك رواية ثالثة يحلو للمصريين سردها، تزعم أنه كان للمخابرات المصرية دور في كشفه، مفادها أن “العميل 300 الذي زرعته المخابرات المصرية في الوحدة 131، تعرف على إيلي كوهين مما كشف الأخير، وهذا العميل ليس إلا “رفعت الجمال”، المعروف إعلامياً “برأفت الهجان”.
بينما رفض السوريون الرواية المصرية، وكان ذلك في ضوء تصريحات لأمين الحافظ شخصياً، فالسوريون رأوا أن الرواية كانت جزءاً من الدعاية المصرية التي أرادت إحراج سوريا، وإظهار تعالي المخابرات المصرية، في وقت شهد اضطراباً بين الدولتين بعد الانفصال.
وتم إعدام كوهين في الساعة الثالثة والنصف ليلاً، وبعد مرور 90 ثانية، أعلن الطبيب عن وفاته، ولكن بقيت جثته على حبل المشنقة في ساحة المرجة نحو ست ساعات، وفي عام 2016، عرض موقع “nrg”، التابع لكيان الاحتلال، فيلم قصير يوثق لحظة إعدام “الاسرائيلي” كوهين وسط العاصمة دمشق.
وقال الموقع، بحسب وكالة “معاً” الفلسطينية: إنه “حصل عليه بعد أن وصل الى أيادي “مجموعات سورية مسلحة” يبدو أنها احتلت أحد مكاتب التلفزيون السوري، وسلموا الفيلم لجهات “اسرائيلية” لم يسمها الموقع.
وظهر في الفيلم الجاسوس “الإسرائيلي” معلقاً على أعواد مشانق في ساحة المرجة وسط دمشق، وكذلك لحظة إنزال جثته من على المشنقة، ودفنت جثته في مكان لا زال سرياً حتى الآن وفشلت “اسرائيل” في استرجاعها رغم عشرات المحاولات السرية والعلنية.
في الشهر التالي، للإعلان “الإسرائيلي” عن استعادة الساعة أعلنت المخابرات “الإسرائيلية” تسمية المبنى الجديد لها على اسم “البطل الأسطوري”، ووافقت زوجته نادية على إهداء الساعة لوضعها في ردهة المبنى.
وعقب ذلك أعلنت شبكة “نتفلكس” أنها بصدد تصوير دراما من ست حلقات بعنوان “رجلنا في دمشق” عن حياة إيلي كوهين، والتي تبدأ من نشاطه في مصر، وأن المشاهد الخاصة في مصر ستصور في المغرب، وسيقوم الممثل الإنكليزي الشهير ساشا بارون كوهين بدور البطولة.
يذكر أن عدة جهات شككت بالادعاء “الاسرائيلي” باستعادة الساعة، مبينة أنها حكاية هشة صنعها وأذاعها العدو “الاسرائيلي” تشبه خرافات أخرى عن جواسيس غير كوهين كانوا في بلد عربي آخر لصناعة “مجد” مزعوم
رنا سليمان – تلفزيون الخبر