“كبش المحرقة”..حكاية من الإضراب العام في الثلاثينات
أوردت مجلة المضحك المبكي السورية التي صدرت في عشرينيات القرن الماضي، و تحت عنوان “قصص وحكايا مضحكة من أرشيف الماضي”، حكاية عن الإضراب العام عندما أرادت الكتلة الوطنية أن تنهيه.
وجاء في العدد رقم (887) الصادر في 20 آذار سنة 1954، حكاية الإضراب العام الذي وقع في دمشق عام 1936، والذي دام ما يقرب من ستين يوماً.
وأعلنت الكتلة الوطنية، حينها، الإضراب لتلبية الأماني القومية وكان اضطراباً عاماً شاملاً، وعندما مر عليه عشرة أيام رأى الوطنيون وعلى رأسهم جميل بك مردم بك أن يدعوا إلى إنهائه.
وجاء قرار الإنهاء لأنهم اعتقدوا أنه من الأجدى أن تفتح المدينة بناء على دعوة منهم من أن تفتح بدون رأيهم، فيفشل عملهم ويحبط مسعاهم، حيث لم يكن أحد ليتوقع أن يستمر الإضراب أكثر من هذه المدة التي أضربت فيها المدينة.
واجتمع الوطنيون ذات صباح في منزل لطفي بك الحفار بحضور هاشم الأتاسي و “جميل مردم بك” وكثيرون غيرهم، و بحثوا في الإضراب واستمراره إلى هذا الحد.
وأخيراً رأوا أنه ليس بالإمكان أن تبقى المدينة مضربة أكثر من هذا وأنه يخشى إذا تركت وشأنها أن تفتح بنفسها، وهكذا يفشل الإضراب ولا تكون له النتيجة المطلوبة.
وقرروا، لذلك، أن ينزلوا إلى الجامع ويلقوا هناك بياناً يدعون فيه الأمة والتجار إلى إنهاء الإضراب، ليبرهنوا بذلك على أن المدينة بيدهم، تأمر بأمرهم، فإذا طلبوا إليها الإضراب أجابت إلى طلبهم وإذا دعت إلى إنهائه أجابت إلى طلبهم أيضاً.
وقاموا بنظم بيان طويل، وعهدوا إلى الأستاذ هاني الجلاد ليلقيه في الجامع باسم الكتلة الوطنية يدعو به الناس إلى الفتح وإنهاء الإضراب.
واستلم الأستاذ الجلاد هذا البيان ونزل إلى الجامع مع بقية أعضاء الكتلة الوطنية، فلما انتهت الصلاة وقف حضرته وألقاه على المصلين وختمه بالدعوة إلى الفتح وإنهاء الإضراب بعد أن مر عليه أيام طوال.
وما إن يسمع المصلون يسمعون الدعوة إلى إنهاء الإضراب حتى هجموا على الخطيب الأستاذ الجلاد وأخذوا يصيحون “خائن خائن، انزل عن المنبر، نحن سنستمر بالإضراب إلى أن تستجاب جميع مطالبنا القومية، انزل خائن”.
وهكذا اضطر إلى النزول دون أن يتمكن من متابعة كلامه أو يعرب عن رأيه، وعندما رأى أعضاء الكتلة الوطنية وعلى رأسهم جميل مردم بك هذا الموقف من الشعب تنكروا للأستاذ هاني الجلاد وأخذوا يصرخون في وجهه أيضاً، انزل، خائن، الإضراب سيستمر حتى تُلبى مطالبنا القومية.
ووقف على أثر ذلك جميل مردم وخطب في الحاضرين خطبة طويلة عريضة كانت نتيجتها أن استمر الناس على إضرابهم حتى أجيبت مطالبهم كما هو معلوم.
ومنذ ذلك التاريخ قطع الأستاذ هاني الجلاد علاقته مع الكتلة الوطنية وأخذ يحاربها في شتى المناسبات، وظل لفترة طويلة يذكر ذلك الموقف الذي دفعه فيه الوطنيون، فلما هاجمه الشعب تخلوا عنه وجعلوا منه كبش المحرقة.
يذكر أن هذا الإضراب عرف باسم “الإضراب الستيني”، حصل في عام 1936 وهو أطول إضراب في تاريخ سوريا.
و تم بناءً على دعوة الكتلة الوطنية لمقارعة الانتداب الفرنسي والتوصل لاتفاق الاستقلال مع فرنسا.