الوشم الذي صار “تاتو”.. الحكاية الكاملة
غالباً ما يثير موضوع الوشم أو “التاتو” انقساماً بالآراء بين مؤيد ورافض له، وتتعدد الأسباب ووجهات النظر فمنهم من يجده “حرام وصياعة” ومنهم من يجد فيه موقف “صريح وشجاع”.
ومن غير المعروف لدى معظم الناس، أن الوشم ليس بصرعة جديدة، وإنما هو موجود عند حضارات وشعوب سابقة لعصرنا هذا، كالهنود والأفارقة والفرس والفراعنة المصريون والرومان والأمازيغ .
كما أن عدداً من القبائل العربية استخدمت وشماً موحداً لكل قبيلة منها، ك “وسم” للقبيلة، وغالباً ما يكون اسم القبيلة أو رمز يعبر عنها، فيقوم الرجال والنساء بوشمه افتخاراً بقبيلتهم أو عشيرتهم.
وشرح أبو حسين، 79 عاماً، لتلفزيون الخبر عن أصل الوشم فيقول: “كانت القبائل العربية والعشائر، متباعدة وكل واحدة منهم بجهة وكانوا يقومون بغزو بعضهم البعض، ومن أجل تمييز رجال كل قبيلة استخدموا الوشم ومن الرموز (السيف، البندقية، الخنجر)” .
وعن طريقة صناعة الوشم تحدث أبو حسين قائلاً: “المواد المستخدمة في الوشم هي عبارة عن الصفوة (رماد الحطب)، ويكون لونها أزرق مائل للبياض أو حسب نوع الحطب فتعطي لوناً أسوداً أو أبيضاً”.
وتابع “وتستخدم إبر الخياطة الصغيرة حيث يتم شبكهم من خلالها ليكونوا مجموعة، ويتم خلط القليل من الرماد مع القليل من الزيت والماء، وتدهن المنطقة المراد الوشم عليها بهذه المعجونة، ويرسم على المعجونة الشكل المطلوب، وبعدها يتم الوخز بالإبرة على الرسمة”.
وأضاف أبو حسين “هذه الطريقة مؤلمة وتتسبب بنزيف الدم أحياناً وعلى المرء أن يحتمل حتى انتهاء الوشم، وبعد يومين من هذه العملية يلتئم الجرح ويجف ويبقى الرماد تحت الجلد مرسوم ليشكل الوشم”.
وأكمل أبو حسين حديثه “يوجد نوعان من الوشم، نوع للزينة تستخدمه النساء ونوع للرجال للتميز القبائل التي ينتمون إليها، ووشم الزينة يوشم بالوجه أو أرنبة الأنف ورأس الخد وأسفل الذقن، بعض النساء يوشمون من طرف العين إلى العين الأخرى”.
وعن أشهر الوشوم أيام زمان، قال الجد أبو حسين: “وشم مخدة ابن العم، هو وشم مشهور في تلك الأيام، ويوشم على يد المرأة كي يستلقي الرجل على يدها، مؤمنة أنه سيغرم بها أكثر”.
ووجد أبو حسين أن “الوشم مستمد من فكرة الرسم على الحائط أيام الإنسان الحجري، وتطورت الحالة ليوشم على الجسد، أما الوشم في هذه الأيام هو بدعة وأتى من الغرب، ولا توجد به رسوم حضارية، والفرق بين الوشم القديم أن له غاية أما اليوم فهو بدون غاية”.
ذوالفقار 24 عاماً، تحدث لتلفزيون الخبر، عن وشمه (شعار لأحد الأحزاب) فيقول “وشمي يعبر عن ما أنتمي إليه وما يمثلني، هو بمثابة إقرار صريح مني أن هذا الشيء يعني لي الكثير”.
وأكمل حديثه فقال: “هو حالة من الصدق وعدم القدرة على إظهار المشاعر الداخلية بحجمها الكامل، فلجأت للوشم، وهو يمثل نوع من الفخر والقوة بالنسبة لي”.
ريمي الحاج يمتهن صناعة الوشوم ورسمها، قال لتلفزيون الخبر: “واجهت خلال عملي في هذه المهنة الكثير من الحالات، فكل شخص لديه سبب لوشمه، فمنهم من يقوم بوضع “التاتو” لإخفاء الندبات التي ظهرت بكثرة خلال فترة الحرب وخاصة عند الرجال”.
وتابع ريمي “ومنهم من يستخدمه لتخليد أشخاص وأحبة فقدوا، إما بسبب السفر أو الوفاة، ومنهم من يستخدمه لتجسيد الحب بين طرفين، وفئة من الناس تقوم بالوشم تقليداً لأشخاص مشهورين (لاعبو كرة قدم _ ممثلو هوليود) ومنهم من يضع الوشم لمجرد أنه أراد ان يقوم بالوشم، دون أي غاية”.
وأشار ريمي إلى أن “أغلب الزبائن هم من الفئة العمرية التي تتراوح بين ١٨_٢٧ سواء كانوا ذكور أو إناث، ولكن الأكثرية أعمارهم بين ٢٠ و ٢١ سنة”.
وعن أكثر الوشوم المتداولة، قال ريمي “الأكثر تداولاً للإناث وشم الحواجب، أما للذكور فهي عبارات باللغات الأجنبية ذات معنى عاطفي تعبر عن حبه لمحبوبته”.
ويعتبر الخط العربي من أكثر الخطوط جاذبيةً في الوشم، بسبب جماليته والقدرة على التحكم بشكل الحروف، حتى أن فكرة الوشم باللغة العربية انتشرت في الغرب وبين ممثلي “هوليود” كالممثلة أنجلينا جولي التي وشمت كلمة “العزيمة” باللغة العربية على ذراعها”.
وتوجد العديد من الأغاني التي يذكر بها الوشم، تعبيراً عن الحب الشديد والذكرى التي لا تموت، منها أغنية “واشم اسمك عكتفي”، وغيرها من الأغاني، التي انتشرت في أواسط الشباب، أو قصيدة نزار قباني التي يقول بها “وشم القبيلة محفورٌ على جسدي” .
ومع غلاء أسعار الذهب، لجأ بعض المقبلين على الزواج، إلى وشم “المحبس”، ووجدوا فيه جرأة وحب وثقة أكبر، وبالرغم من إمكانية إزالة الوشم، تبقى فكرة وضع عبارة أو شعار أو رمز، على جسد الإنسان، فكرة جريئة، وهي بحاجة للتفكير قبل الإقدام عليها عدة مرات.
يزن شقرة _ تلفزيون الخبر