“علميني فرحَ الزوال” .. ناسك القصيدة العربية أنسي الحاج في ذكراه الخامسة
لم يكن أنسي الحاج شاعراً فقط، بل كان مترجماً وصحفياً محترفاً منذ عام 1956، حينَ بدأ حياته الأدبية عندما بلغُ من العمر 21 عاماً فقط، متنقلاً بين عدة صحف لبنانية ومترئساً الأقسام الأدبية فيها.
وكانت الصحافة هي الخطوة الثانية في حياته المهنية، بعد أن سبق لأنسي نشر مجموعات قصصية قصيرة وقصائد منذ أن كان على مقاعد الثانوية عام 1954.
وأصدر أنسي ديوانه الشعري الأول “لن” عام 1960، وهو مجموعة قصائد نثرية باللغة العربية، نشره ضمن “مجلة شعر” التي أسسها مع رفيقيه السوري أدونيس واللبناني يوسف الخال، وهذا الديوان واحد من ستة مجموعات شعرية نشرها الحاج خلال مسيرته الشعرية.
ويُعد أنسي الحاج من رواد قصيدة النثر في الشعر العربي المعاصر، وقال عنه الشاعر ابراهيم داوود: “أنسي مع الماغوط هم الآباء الشعريون للقصيدة الجديدة في مصر وهم الأقرب إلى ذائقتنا”.
ونقل أنسي الحاج إلى اللغة العربية أكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونسكو ودورنمات وبريخت وغيرهم.
وتجاوزت أعماله وكلماته حدود لغته الأم، ونُقلت إلى ما يقارب ستة لغات كالانكليزية والفرنسية والألمانية والأرمنية والبرتغالية والفنلندية، متخطياً بذلك حواجز كل هذه اللغات وقواعد شعرها.
وعبر الحاج عن موقفه من الحرب في سوريا من خلال مقال له في صحيفة “الأخبار” اللبنانية قائلاً: “المطالب الصحيحة للشعب السوري، وهي الحريّة والديموقراطيّة والقضاء على النهب والفساد، ومحاسبة اللصوص والمجرمين، وتأسيس دولة عصريّة جديدة، لا يجادل فيها أحد”.
وتابع “لكنّ هذه الغايات النبيلة راحت تتحوّل على أيدي الجماعات التكفيريّة والجماعات الثأريّة والطائفيّة والعصابات المقاتلة إلى مجرّد صرخة (…) وما نخشاه هو أن تكون غاية الحرب في سوريا هي فرط الجماعة الوطنيّة وتفكيك الاجتماع البشري السوري”.
وأكمل “الأمر الذي سيؤدّي إلى فرط الدولة التي نشأت على فكرة العروبة، عقب الاستقلال، وسيكون من المحال إعادة تكوينها إلّا بصورةٍ شوهاء، وعلى هيئة المجتمع المفكّك والمتكارِه والمتعصّب”.
وتزوج أنسي من ليلى ضو عام 1957، وأثمر زواجهما عن ابنين هما لويس وندى، التي ذكرت عن الأيام الأخيرة لوالدها أنه “كان محبّاً جداً وقال قبل رحيله بيومين: أنا رح ضل معكن .. ورح امشي معكن” ثم رحلَ جسدهُ وبقي شعر أنسي وكلماته ومشوا معنا”.
وتوفي الحاج في 18 شباط عام 2014، مخلفاً وراءه حزناً كبيراً وفراغاً على الساحة الأدبية التي افتقدت لشعراء على بساطته ونقائه الذي يصف الشاعر السوري أدونيس”كان الأنقى بيننا”.
وفي جنازة أنسي الحاج أرسلت فيروز ورداً أبيض في وداعهِ مرفقاً برسالة وداع مختصرة تقول فيها “أنسي وداعاً”، وهو الذي كتب لها مقالة “أحبها بإرهاب”، وعرف بعد موته أن قصيدة “الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع” لها.
وقال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم في رثائه “أخي أنسي، رحمة الله عليكَ، عليَّ، وعلينا جميعاً، سلّم على الأحبّة حيثُ تلقاهم هُناك في الجنة أو في الجحيم، وهناك سنلتقي، في الجنة أو في الجحيم، المهم أننا سنلتقي يا أنسي”.
“غيوم يا غيوم، جسدي يمشي وراءك، يمشي أمامك، يتوارى فيك، باركي الملعون السائر حتى النهاية، علميني فرح الزوال”، صاحب هذه الكلمات مازالت الساحة الأدبية حتى اليوم تفتقده.
تلفزيون الخبر