في ذكرى أول اجتماع لـ “عصبة الأمم” والجمعية العامة للأمم المتحدة .. هل أدت المنظمتان عملهما؟
مع نهاية كل حرب أو مأساة عالمية، وبعد إحصاء الخسائر والفجائع التي سببتها، يتذكر أصحاب القرار أن عليهم ايجاد وسيلة لمنع تكرارها.
فتكون الوسيلة “مجلسا”، في ظاهره دعوة لحل نزاعات العالم بطرق سلمية، وفي باطنه يعكس في أكثر الأحيان هيمنة دولة، أو يحمي مصالح طرف أو يصبح في حد ذاته أداة للعدوان.
وتذكر مصادر متعددة أنه “جاءت ما سميت بـ “عصبة الأمم”، مع نهاية الحرب العالمية الأولى، كدعوة للتقليل من سباق التسلح العالمي ومنع نشوب حرب جديدة، ومن بعدها منظمة الأمم المتحدة إثر الحرب العالمية الثانية لنفس الأهداف خاصة في ظل تطور الأسلحة النووية”.
الرابح يفرض شروطه، هو قانون دائم، ولم تكن معاهدة “فرساي” سوى مجموعة شروط فرضها المنتصرون (دول الحلفاء) على المهزومين (دول المحور)، وأراد الرئيس الأمريكي حينها “ودرو ولسون”، أن يضمنّها نصاً يدعو لإنشاء مؤسسة أممية عرفت باسم “عصبة الأمم”.
وبالفعل تم إدراج نص التأسيس في 25 كانون الثاني عام ١٩١٩، في الجزء الأول للمعاهدة، لتعقد أولى جلساتها في 10 كانون الثاني عام 1920، وبذلك أصبحت معاهدة فرساي نهاية رسمية للحرب العالمية الأولى.
ورغم الدور الذي لعبته أمريكا في شخص رئيسها في تأسيس هذه العصبة، فإنها رفضت التصديق علي ميثاق العصبة أو الانضمام إليها، حيث رأت في النظام التأسيسي للعصبة محاولة من الدول الأوروبية الإستعمارية الكبري للاستئثار بغنائم ومكاسب الحرب العالمية الأولى، وهو ما عطل عمل العصبة.
وطيلة 26 عاماً، هو عمر العصبة، وقفت عاجزة عن مواجهة كوارث الثلاثينيات في القرن العشرين، أو مواجهة نذر الحرب العالمية الثانية، ما استدعى تفكيك المنظمة من تلقاء نفسها في 18 من نيسان عام ١٩٤٦، وكان مجلس العصبة عند التأسيس بأربعة مقاعد رئيسية دائمة لبريطانيا وإيطاليا وفرنسا واليابان.
وفي أعوامها القليلة، ظهر عجز عصبة الأمم على حل القضايا أو نشر السلام أو حتى منع الاعتداءات، فهي التي أقرت حق الانتداب لدول الاستعمار على سوريا ولبنان والاردن وغيرهما، ولم تستطع منع تزوير نتائج استفتاء سلخ لواء اسكندرونة، فضلا عن انسحاب عدة دول منها كألمانيا اليابان وغيرهما.
وظهر كيان الأمم المتحدة رسمياً إلى حيز الوجود يوم 24 تشرين الأول 1945، عندما صدق على الميثاق كل من الإتحاد السوفياتي سابقاً، والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الدول الموقعة عليه وعددها 50 دولة.
وعقدت أول جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة كذلك في 10 كانون الثاني عام 1946، بقاعة ميثوديست المركزية في لندن، وشملت ممثلين عن 51 دولة.
وكانت الكثير من النقاط المتعلقة ببنود الميثاق موضع خلاف، وكانت قضية حق النقض (الفيتو) للدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن هي أكثر ما أثار الجدل في المؤتمر إلى حد التهديد بإيقافه كليا.
فالقوى الصغرى خشيت من أن تهدد إحدى الخمس الكبرى السلام، ولا يستطيع مجلس الأمن فعل شيء حيالها، وعند نشوء صراع بين قوتين غير دائمتي العضوية في مجلس الأمن، ما يعني احتمال تصرف “الخمس الكبرى” تصرفاً عشوائياً.
وعليه اتفقوا على تخفيف سلطة “حق النقض”، إلا أن القوى العظمى أصرت على بقاء هذا الحكم بوصفه أمرا حيوياً، معتبرة أن المسؤولية الرئيسية في صون السلم العالمي تقع على عاتقها، واضطرت الدول الصغرى للخضوع .
وهذا ما حدث فعلا، فبسبب حق النقض “الفيتو” منعت أمريكا مرور كثير من القرارات ضد “اسرائيل”، وفي الوقت نفسه ضربت “اسرائيل” عرض الحائط بمجموعة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بحقها طيلة سنوات.
ومنذ عام 1948 حتى اليوم، تجاهلت “اسرائيل” مدعومة بأمريكا 19 قراراً صادراً بحقها من الامم المتحدة، قرارات متعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينين، والانسحاب من الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان السوري واحترام حقوق الإنسان.
وتجاهلت كذلك قرارات متعلقة بالقدس والمسجد الأقصى، وضد قادة فلسطينين، وقرارات تدين الإجراءات التي اتخذتها الكيان الصهيوني ضد مدنيين فلسطينين وعمليات التهجير والترحيل بحقهم، وأخيرا وليس آخراً رفض الأمم المتحدة للقرار “الإسرائيلي” الذي يعتبر القدس عاصمة لـ “إسرائيل”.
وكذلك استخدمت الوسائل المتضمنة في ميثاقها بطريقة سياسية، فشهدنا طيلة سنوات الحرب في سوريا عدة دعوات من جانب أمريكا لاستخدام القوة العسكرية ضد سوريا تحت بند الفصل السابع.
ومع عجز الأمم المتحدة عن منع كيان محتل مثل”اسرائيل” طيلة عقود، وتسييس عملها ووضعه في خدمة دول معينة، تبقى الأسئلة الكبرى عن جدوى هذه المنظمات ومستقبلها معلقة، ويبقى الحلم العالمي بـ “السلام والأمن” وهما الغرض الذي أنشئت من أجله مجرد “حلم”.
تلفزيون الخبر