الدراما السوريّة في 2018: “حصاد العاصفة بعد ما زُرِعَ من ريح”
يودِّع عام 2018 سوريا والسوريين ليكون عاماً مليئاً بالكثير من الانفراجات أهمها وأساسها النصر السوري وزوال غمة الحرب التي حجبت إشراقات كثيرة عُرفت عن سوريا في كثير من المناحي و أوصلت أثرها إلى الوطن العربي.
حيث كانت الدراما السورية حجر أساس في كل ذلك، و كانت أيضاً الإجابة الأبرز عن سؤال “ماذا تعرف عن سوريا والسوريين”.
(الجوارح، أخوة التراب، نهاية رجل شجاع، ربيع قرطبة، أيام الغضب، دمشق يابسمة حزن، أسعد الوراق، حمام القيشاني، زنوبيا، هجرة القلوب إلى القلوب) وتطول القائمة، هي مسلسلات سوريّة حفظها وعرفها السوريون والعرب عن ظهر قلب، لأنها ترسخت في الذاكرة الجمعية العربية بشخصياتها وإخراجها ونصوصها المحبوكة.
أما اليوم، فقد أصاب الدراما السورية ما أصابها من تصدع خلال سنوات الحرب، وذلك بعد ألق وزمن ذهبي طال لأعوام حيث باتت تفتقد إلى ذلك الألق بعد افتقادها لمقومات النهوض التي عرفت عنها لأسباب كثيرة منها ما ظهر ومنها ما بطن.
حيث شهدت المواسم الدرامية التي كانت ترتقبها الجماهير السورية والعربية حالة من الوهن المتتابع وتصل إلى عام 2018 ، لتكون السمة السائدة عنها لهذا الموسم أنها “حصاد العاصفة بعد مازُرِعَ من ريح” وفق ما وصفه الناقد الدرامي ماهر منصور في حديثٍ مع تلفزيون الخبر، شاملاً السنوات الماضية بهذا الوصف.
وأضاف منصور “نحصد العاصفة التي تطيح اليوم بتسويق أعمالنا السورية”، لافتاً إلى أنه “كنا نطالب بمنصات وفضائيات خاصة وحكومية تستوعب الانتاج الدرامي السوري، لكن مطلبنا هذا ذهب أدراج الرياح فكان من الطبيعي أن تهب عاصفة التسويق، ويمر عام مثل الموسم الرمضاني 2017 تكسد فيه أعمالنا المهمة، أو لا تجد فرصة عرض على نطاق واسع”.
وتابع “زرعنا الريح أيضاً فيما يتعلق بمطالبتنا بأن تكون الدراما السورية مؤسسة، فكان من الطبيعي أن نحصد العاصفة التي أطاحت بالقيمة الفكرية للدراما السورية بعد أن أصبحنا أسرى لهواجس التسويق، ننتج دراما استهلاكية تحت اسم الدراما السورية، أو ننصاع لشروط غيرنا فيما سمي دراما عربية مشتركة”.
وأردف الناقد منصور ” ونتيجة لغياب الدراما كمؤسسة وبالتالي غياب تقاليد المهنة وقوانينهاـ استغل الدخلاء فوضى الإنتاج فقدموا أنفسهم، منتجين ومخرجين وكتاب وممثلين، وقدموا دراما رديئة زادت من أعباء درامانا وأودت بالدراما السورية إلى ماهي عليه الآن”.
وأوضح منصور أن ” عدد الأعمال السورية المنتجة انخفض بشكل واضح منذ العام 2005 إلى نحو النصف، ليصير معدل الإنتاج السنوي خلال السنوات العشرة الأخيرة نحو 25 عملاً، ويصل في العام 2018 إلى نحو 20 عملاً من بينها أعمال مؤجلة من العام 2017 “، لافتاً إلى أنه ” ترافق مع انخفاض الكم في الإنتاج الدرامي السورية.. انخفاض في الكيف، ومنذ وقت طويل بدأنا نفتقد الكيف، بغض النظر عن الكم، وهذا شيء محزن”.
وعن دراما البيئة الشامية، أوضح الناقد أنها ” منذ زمن طويل خرجت عن منطقها الدرامي بوصفها دراما تشبه حكايا الجدات، وأصبحت جزءاً من الحالة الاستهلاكية التي نعاني منها في المشهد الدرامي اليوم”.
وشرح قائلاً أن “دراما البيئة الشامية منذ نجاح الجزء الثاني من مسلسل باب الحارة بالغت في استثمار أسباب هذا النجاح حتى سقطت في هوة الاستهلاك”.
وعن غياب باب الحارة في العام 2018، قال منصور ” غيابه وحضوره سيان، وإن كنا ارتحنا في غيابه من المقالات التي تجتر نفسها على مدار المواسم السبعة الأخيرة من أجزائه التسعة، والتي لا تكف عن تكرار ذات الانتقادات للمسلسل رغم أنها أصبحت خارج منطق الدراما بحالها”.
وعن عودة المسلسل المحتملة في العام 2019، قال منصور: “إن المسلسل سيواصل بالغالب حالة الاستثمار التجاري لنجاحه، وما لدي من معلومات تؤكد أننا الجزء المقبل ستجنب مطب تشويه الشام وأهلها، ولكننا بالمجمل سنكون أمام مسلسل جديد، قد لا يكون له علاقة بمسلسل باب الحارة، إلا بالاسم”.
وفيما يتعلق بالوجوه الجديدة التي ظهرت على ساحة الأعمال الدرامية، يرى منصور أن “هذه الإطلالات الجديدة انقسمت بين نوعين، الأول يمتلك موهبة عالية ولكنه ظهر في فترة ضعف الدراما السورية فافتقد فرصة العمل في مسلسل يقدمه على نحو صحيح، وفرصة العمل من طاقم فنيين وممثلين جيدين من الممكن أن يصقل تجربته معهم”.
أما المجموعة الثانية، بحسب منصور، فهي التي استغلت فوضى الإنتاج وغياب تقاليد المهنة فتسللوا إلى المهنة من دون أن يمتلكوا الحد الأدنى من الموهبة، ومن هؤلاء من أصبح اليوم مخرجاً أو كاتباً أو ممثلاً يتصدر صفحات المجلات”.
وأشار منصور ” للأسف اليوم تسوق أعمال على أنها سوريّة، لكنها لا تشبه الدراما السورية بتقاليدها وتاريخها ومضامينها الفكرية وآليات صناعتها الفنية.. فكان من الطبيعي أن تسيء إلى صورة الدراما السورية بالخارج رغم أن هذه الأخيرة بريئة منها “.
ولفت الناقد إلى أنه “يمكن أن تعود الدراما السورية إلى ما كانت عليه من ألق ، بل وتغدو أهم مما كانت عليه في حال تجاوزت اخطائها، سواء على صعيد الصناعة نفسها أو التسويق”.
ونوه إلى أنه إذا تحولت الدراما إلى مؤسسة لها أخلاقيات وضوابط وأنظمة ضابطة، فلن تسمح حينها بوجوه دخلاء يأخذون موقع الصدارة فيها، وبالتالي ستتجاوز أخطاءها”.
يرى منصور أن “جميع من ساهم في صعود الدراما السورية خلال سنوات الألق مُطَالَبين بالدفاع عنها اليوم ويقع على عاتقهم المحافظة على ماتم إنجازه، على أن يبدأ هذا الدفاع من رفض العمل في أي عمل من شأنه أن يسيء إلى الدراما السورية بالشكل أو المضمون، ورفض الوقوف أمام مخرجين وإلى جانب ممثلين يهبطون بالدراما السورية إلى مالا يليق بها”، معتبراً أن “الممثل النجم مسؤول عن العمل الذي يقدمه ككل وليس مسؤول عن دوره فقط”، وفقاً للناقد منصور.
وبينما يعتبر كثيرون أن بروز التكريمات والجوائز الموجهة للدراميين دليل نجاح، يعتبر منصور أن ” من تلك الجوائز من يسيء للدراما السورية وليس دليلاً على نجاحها”، فقد كرمت أسماء خلال الفترة السابقة، من دون أن نعرف سبباً فنياً لتكريمهم، وسمعنا عن ألقاب ومسميات لا قيمة لها، ولا معيار لتقييمها”.
وتابع أنه “لو أردنا أن نحذف هذه النوعية من الجوائز، فبلاشك سنخفض العدد الكلي لجوائز هذا العام والذي قبله”.
وبالانتقال إلى السينما السورية التي برزت خلال السنوات الأخيرة، يفرّق الناقد بينها وبين الدراما اليوم، بأنها تنتج دون أن يؤرقها في أي منصة ستعرض، وهذا حالها منذ البدايات، إذ كانت تنتج بعيداً حسابات شباك التذاكر”.
“ورأى أنه في العام 2018 كانت السينما قياساً بعدد أعمالها في السنوات السبقة مرتفعة، خلافاً للدراما السورية التي تخفض معدل إنتاجها… لسبب له علاقة بمنصات العرض”، وهي “ستظل أسيرة المحطات التي ستعرِض لها”، بحسب منصور.
وختم منصور حديثه بأنه يجب أن تتصدى المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بوصفها القطاع العام الإنتاجي لتقديم أعمال درامية سورية ضخمة، لأننا اليوم أكثر بحاجة ماسة لإعادة مجد الدراما السورية، لأسباب كثيرة أهمها جبر خاطر المواطن السوري الذي لا يكف عن الانتقال من محطة إلى أخرى بحثاً عن مسلسل سوري يشبهه.
روان السيد – تلفزيون الخبر