في المقاومة والأفراح وتشييع الشهداء.. ماقصة الكوفية الفلسطينية؟
تعود قصة ارتداء الفلسطينيين للكوفية المرقطة إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث أمرت قيادة الثورة في فلسطين أثناء الإضراب الشهير والطويل، الذي استمر لعدة شهور في القرى الفلسطينية، بالقيام بارتداء الكوفية بغية تضليل قوات الانتداب البريطاني في فلسطين المحتلة التي كانت تقوم بملاحقة الثوار، لتصل شهرتها حينها إلى المدن الفلسطينية أيضاً.
وبقيت الكوفية الفلسطينية بعد ذلك رمزاً للمقاومة في فلسطين وتعززت رمزيتها مع انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني قبل وبعد نكسة حزيران سنة 1967، كما أخذت الكوفية بعداً دولياً مع انتشار صورة المناضلة ليلى خالد وهي ترتديها وتحمل بندقيتها، وذلك بعد اختطافها الطائرة “الإسرائيلية” والتحليق فوق حيفا ويافا وبحر فلسطين.
وأصبحت الكوفية رمزاً لفلسطين مع الرئيس ياسر عرفات، الذي دخل الأمم المتحدة في سنة 1974 على رأسه الكوفية المرقطة السوداء والبيضاء، التي لم تفارقه حتى وفاته في رام الله، لتتعزز بذلك هوية الكوفية الفلسطينية، ولتشكل رمزاً للفلسطيني والفدائي وأنصاره وأصدقائه أينما كانوا.
وغزت الكوفية أوروبا والغرب وأصبحت منتشرة بشكل كبير وواسع بين الأجيال المختلفة وخاصة جيل الشباب، الذي أصبح يعرف ويعلم جيداً ماذا تعني الكوفية وما هي رمزيتها.
وفي مرحلة من المراحل السابقة أصبح اليساريون في أوروبا يميزون أنفسهم من خلال ارتداء الكوفيات في التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات التي تشهدها دولهم.
ومازالت هذه الظاهرة مستمرة ولو بشكل أقل زخماً، بالرغم أيضاً من أن الكوفية صارت نوعاً من أنواع الموضة، إذ هناك من يرتديها لأنه معجب بها ولا يدري من أين جاءت أو ما هي رمزيتها.
ولم يعد لون الكوفية عند هذه الفئة مقتصراً على الأسود والأبيض والأحمر والأبيض بل تعداه لتدخله الألوان الأخرى التي قامت بإضافتها على التصنيع مصانع التجارة العالمية بغية جني الأرباح بعيداً عن فلسطين وثورتها ورمزية كوفيتها.
وفي عام 2007 قامت مصانع “اسرائيلية” في فلسطين المحتلة بتصنيع كوفيات باللونين الأزرق والأبيض مع نجمة دواود وذلك في دلالة واضحة على العلم الصهيوني وشعار الاحتلال في فلسطين، كأنهم يريدون أن يقولوا للفلسطينيين بعدما سلبناكم أرضكم ووطنكم وحاولنا سلبكم أطعمتكم، ها نحن نجرب الآن سلبكم كوفيتكم.
وتشكل الكوفية الفلسطينية برمزيتها سلاح إعلاني أممي فعال وقوي مازال يستطيع إثارة العدو “الاسرائيلي” ممايحتم التركيز من قبل الفلسطينيين وأعوانهم وأصدقائهم على سياسة تطوير صناعة الكوفية و عملية انتشارها، و تسويقها بشكل أكبر وبسعر أقل، وبتعريف مختصر و مفيد.
واقترنت صورة الفلسطيني بالكوفية التي باتت رمزاً للوحدة الفلسطينية، وهي تعرف أيضاً بالسلك أو الحطة بلونيها الأبيض والأسود، وتعكس بساطة حياة الفلاح في قرى فلسطين، وكذلك الألوان الترابية لملابس الفلاحين هناك، بعيداً عن ألوان حياة المدينة المتباينة والمغتربة عن بعضها، حيث اعتاد الفلاح الفلسطيني أن يضع الكوفية لتجفيف عرقه أثناء حراثة الأرض ولوقايته من حر الصيف وبرد الشتاء.
واقترنت الكوفية عند شعوب العالم باسم فلسطين ونضال شعبها، وقوي هذا الاقتران أثناء الانتفاضة الأولى عام 1987، وصولا” إلى الانتفاضة الثانية عام 2000، وحتى الآن ما زال المناضلون يضعون الكوفية للأسباب ذاتها والأهداف التحررية ذاتها التي وضعت من أجلها الثوار عام 1936.
وذكرت الكثير الأغاني الشعبية والوطنية الفلسطينية الكوفية وعلقت بدلالتها ورمزيتها في الذاكرة الجمعية العربية والفلسطينية على حد سواء، وكان أهمها الأغنية الأشهر “علّي الكوفية” التي أداها كثير من المغنيين الفلسطينين والعرب وحفظها الجمهور ودندنها.
روان السيد – تلفزيون الخبر