موجوعين

عمالة الأطفال في سوريا .. الأثر الذي ستتركه الحرب

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة من جولة وفد وزاري لمدينة حلب، يظهر فيها طفل صغير يعمل في مصنع، مثيرا غضب السوريين وتساؤلاتهم.

وواجهت تلك الصورة كثير من التعليقات والتساؤلات والاستهجان، وكلها صبت في نفس السياق، هل أصبحت عمالة الأطفال حدثا عاديا في سوريا؟، وكيف لم ينتبه أي من أعضاء الوفد لهذا الطفل ؟.

ووجهت أغلبية التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي باللوم إلى الجهات المعنية التي كانت في تلك الزيارة، فيما برر آخرون بالقول أنه من الممكن أن تكون خارج أوقات الدوام المدرسي، أو أن “الطفل ابن صاحب المصنع”.

الحقيقة الثابتة غير القابلة لتداول الآراء ووجهات النظر أن عمالة الأطفال خطر يواجه المجتمعات، ما دفع لإبرام اتفافية دولية عام 1999 تهدف على المدى البعيد للقضاء على عمالة الأطفال حول العالم، ووضع حد أدنى لسن عملهم وهو “إتمام مرحلة التعليم الأساسي، انطلاقاً من أن مرحلة الطفولة هي أهم مراحل النمو وأكثرها تاثيراً”.

وأوضحت مدير الشؤون الأسرية في الهيئة السورية لقضايا الأسرة، رنا خليفاوي قالت لتلفزيون الخبر أن “نسب عمل الأطفال في الماضي كانت بسيطة، رغم غياب الإحصائيات عن نسب دقيقة لعمل الأطفال في سوريا”.

ولفتت خليفاوي إلى أن “للحرب أثرها الكبير على زيادة الحالات إلى الأضعاف”، مضيفة أن “كثير من الأطفال دون السن القانوني اضطروا لأخذ دور المعيل لأسرهم بسبب تداعيات الحرب، من فقدان أو استشهاد أو خسارة عمل أو إصابة المعيل”.

وأضافت مدير القضايا الأسرية أن “عمل الأطفال يعني أن هناك تسرب من المدرسة، ويجب بالتالي مواجهة هذه الظاهرة كأساس، منوهة إلى أن الأهم في ذلك هو إيجاد البدائل للأسر التي يعمل أطفالها لتأمين متطلبات انفسهم وأسرتهم”.

وأشارت خليفاوي إلى أن “الهيئة السورية أجرت مسح حول أسوأ أشكال عمالة الأطفال في مدينة حسياء الصناعية بحمص، وفي المدينة الصناعية بدمشق، لرصد خصائص عمل الأطفال و أسبابها والحالات والظروف”.

وأردفت خليفاوي أنه “نتيجة المسح، تم وضع خطة تدخلية للحد من عمل الاطفال”، معتبرة أنه “من غير الممكن إيقاف عمل الأطفال لأنهم في أغلبهم معيلين لأسرهم”، موضحة أنه “سيتم تأمين بدائل كي يعود الأطفال إلى مدارسهم”.

وتابعت خليفاوي “من ضمن الخطة التدخلية، العمل على التمكين الاقتصادي وفتح مجالات المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لتستفيد من ذلك أيضاً أمهات الأطفال العاملين”.

وأكملت خليفاوي “إضافة إلى فتح أبواب التعليم المسائي، ما سيؤدي إلى إعطاء الفرصة للطفل لمتابعة دراسته، وإذا كان لابد من عمله يتم العمل على تأهيله كي لايتم استغلاله”.

وتعرّف وزارة التربية التسرب من المدارس بأنه حالة عالمية، ينقطع فيها التلميذ عن دوامه المدرسي لأي سبب كان ولا يلتزم بمدرسته، ووصلت نسبته في سوريا إلى 3% في العام 2010، وارتفعت إلى حد كبير خلال سنوات الحرب.

وتعزو التربية أسباب زيادة ظاهرة التسرب خلال الحرب إلى إغلاق عدد كبير من المدارس خلال العام الدراسي، ومنع المسلحين أبناء الكثير من المدارس في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها من الذهاب إلى مدارسهم

وقال مدير التعليم الأساسي في وزارة التربية، وائل محمد، لتلفزيون الخبر إن “الوزارة تبذل كل جهدها لمحاربة كل مايهدد عقول الطلاب السوريين، بما في ذلك ظاهرة “التسرب” من مدارسهم وخطورتها عليهم من الناحية الجسدية والنفسية والأخلاقية”.

وأوضح محمد الإجراءات التي يتم اتخاذها للحد من ظاهرة التسرب وتشجيع التلاميذ وأولياء أمورهم على الالتحاق بالمدرسة من خلال “تفعيل دور الإعلام، وتيسير إجراءات تسجيل التلاميذ العائدين من التسرب في أقرب مدرسة لمكان سكنهم”.

وأضاف محمد “كما تعمل الوزارة على تعزيز دور المرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدارس، ومن الإجراءات ايضا إدراج العديد من المفاهيم الخاصة ضمن مناهج وزارة التربية ومن أهم تلك المفاهيم “عمالة الأطفال”، إضافة إلى تعزيز دور مجالس أولياء الأمور والتعاون مع المجتمع المحلي”.

وبينت السيدة مي برقاوي، خبيرة تربوية وإخصائية نفسية واجتماعية لتلفزيون الخبر، معاناتها مع ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس ومحاولاتها لتلافي هذه الظاهرة خلال مسيرة عملها، لافتة إلى أن “هناك كثير من العوامل التي تساهم في تجلي التسرب الذي يؤدي إلى العمالة”.

وأشارت برقاوي إلى أن “هناك آثار جسدية وبدنية سلبية وواضحة تسببها عمالة الأطفال، منها المشكلات الصحية خاصة عند الأطفال الذين يعملون في المصانع والطرقات ويتعرضون للروائح وسوء التغذية”.

وتابعت برقاوي “يعيش الأطفال معاناة نفسية بسبب عملهم في سن مبكرة، إضافة إلى مشاعر القلق والاكتئاب والخوف من الكبار الذين يعملون معهم، وشعورهم بالدونية لاختلافهم عن أقرانهم المتعلمين”، منوهة إلى أن “ذلك يؤدي إلى انحراف قيمي وأخلاقي وتزداد سلوكيات الجريمة لديه”.

وكان المحامي رامي جلبوط أوضح في وقت سابق لتلفزيون الخبر ضوابط وشروط عمالة الأطفال قائلاً إن “قانون العمل ميّز بين فئتين من الأطفال، وقسمهم للأطفال دون 15 عاماً والذين يمنع عملهم بأي شكل من الأشكال، والأطفال فوق الـ 16 سنة، بشروط خاصة لتشغيل الأحداث”.

وتابع جلبوط “أصدرت وزارة العمل السورية قرارها رقم 12 الذي يعتمد نظام تشغيل الأحداث المرفق ويعمم على الجهات المعنية، ومنع القرار في مادته الأولى تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة من عمرهم”.

وأضاف المحامي “وحظر القرار تشغيل الأحداث في العمل الليلي الذي يبدأ من الساعة السابعة مساءً وحتى السابعة صباحاً، وتشغيلهم أكثر من ست ساعات يومياً”.

الطفل، حاتم، ذو العشرة أعوام يحمل بيديه الصغيرتين باقات الورود، في دمشق القديمة، قائلا “هون بيحبو الورد كتير وبيشتروه”، “اشتري مني ورد وبقلك شو مابدك”.

وتابع الطفل، بكلامٍ عفوي وعينين لامعتين وضحكة بريئة، “أنا أحفظ جدول الضرب، وكل حروف الانكليزي، لكن أبي قال الدراسة ما بتطعمي خبز”.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى