فدوى طوقان .. المرأة التي حطمت قيودها لتكون “شاعرة فلسطين”
يصادف يوم 12 كانون الأول ذكرى وفاة “شاعرة فلسطين” فدوى طوقان التي توفيت في العام 2003، عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، ودفنت في مدينة نابلس، بعد أن أصيبت قبل رحيلها بأربع سنوات بجلطة دماغية تركت أثراً بالغاً على بصرها، ما أثر على أدائها الأدبي في سنواتها الأخيرة.
وتعتبر فدوى طوقان من أبرز الرموز الثقافية للشعب الفلسطيني، ولقبت بـ “شاعرة فلسطين”، ونالت العديد من الأوسمة والجوائز، منها: “جائزة عرار السنوية للشعر، رابطة الكتاب الأردنيين، عمان، 1983، جائزة سلطان العويس، الإمارات العربية المتحدة، 1989”.
كما نالت “وسام القدس، منظمة التحرير الفلسطينية، 1990، وجائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة – إيطاليا 1992، وسام الاستحقاق الثقافي، تونس، 1996، جائزة الآداب، منظمة التحرير الفلسطينية، 1997”.
وصدر عن طوقان وعن شعرها عدة كتب، وعدة رسائل جامعية، في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، فضلاً عن الكثير من الأبحاث والدراسات والمقالات التي نشرت عنها في المجلات والدوريات العربية والأجنبية.
كما أخرجت الروائية الفلسطينية ليانة بدر فيلماً تسجيلياً عن حياتها وعالمها الشعري بعنوان: “فدوى: حكاية شاعرة من فلسطين”.
تلقت طوقان تعليمها الابتدائي في مدينة نابلس التي ولدت فيها، في مدرسة الفاطمية أولاً، ثم العائشية، ولم تتجاوز مدة دراستها خمس سنوات، إذ أُخرجت من المدرسة بضغط من أخيها يوسف لأسباب اجتماعية، وفُرض عليها الإقامة الجبريّة في البيت.
تأثرت طوقان بشقيقها الشاعر إبراهيم طوقان، الذي تعهّد، بعد أن أكمل دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت وعاد إلى فلسطين، بتعليمها وخصّها برعايته.
واستطاعت أن تتحرر قليلاً من الأجواء الاجتماعية القاسية التي عاشتها في منزل العائلة حين قررت العيش مع أخيها إبراهيم في مدينة القدس فأنقذت نفسها من الانتحار، وكانت هذه الفكرة قد راودتها أكثر من مرة.
وبفضل إبراهيم، الذي علّمها نظم الشعر، بدأت مرحلة جديدة في حياتها، صارت تشعر فيها بذاتها وإنسانيتها وحقّها في التعلّم، وراحت تتابع دروساً خاصة في اللغة الإنكليزية وتبعث بقصائدها إلى المجلات الأدبية في القاهرة وبيروت موقعة بأسماء مستعارة، فتنشرها، وهو ما عزز ثقتها بنفسها وبما تكتبه.
وبعد وفاة شقيقها إبراهيم في سنة 1941 ومن ثم والدها، ووقوع نكبة فلسطين في سنة 1948، بدأت تشارك من بعيد في خضم الحياة السياسية في الخمسينيات من القرن الماضي.
وفي سنة 1956، سافرت إلى ستوكهولم مع وفد أردني لحضور مؤتمر حول السلام، وشملت رحلتها هذه هولندا والاتحاد السوفييتي والصين الشعبية.
انتسبت طوقان إلى “النادي الثقافي” في مدينة نابلس في سنة 1956، وكانت عضواً ناشطاً فيه، ومن هذا النادي كانت انطلاقتها الشعرية فتعرفت على كمال ناصر، الشاعر والنائب في البرلمان الأردني، كما تعرفت على الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
وسافرت فدوى طوقان، في بداية الستينيات، إلى بريطانيا، عاشت سنتين في مدينة أكسفورد حيث تعمقت في دراسة اللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي، وتركت هذه الرحلة فيها تأثيراً عميقاً على المستويين الشعري والشخصي.
وبعد عودتها إلى نابلس، قررت أن تنأى بنفسها عن الأهل والناس، فبنت لها بيتاً في الغرب من المدينة، لكن نكسة حزيران 1967 دفعتها لأن تشارك من جديد في الحياة العامة لأهالي مدينة نابلس تحت الاحتلال، بدأت مساجلات شعرية وصحافية مع العدو “الاسرائيلي” وثقافته.
وأحدثت النكسة تحولاً على شعرها نقلته من الموضوعات الشخصية والاجتماعية إلى موضوعات المقاومة، ثم غدا شعرها مع الوقت أكثر شمولية وإنسانية، وصار يتضمن موضوعات مختلفة عن الحياة والموت والحب والطبيعة والقهر العائلي والاجتماعي.
تفردت فدوى طوقان بجرأتها في البوح، من خلال سيرتها الذاتية التي صدرت في جزأين، وتحدثت فيها بجرأة كبيرة عن حياتها الخاصة، وعن الحياة الاجتماعية والسياسية لمدينة نابلس وطباع أهلها، ورفضها الكثير من التقاليد، التي أغلقت العلم والفكر التنويري الذي أحبته فدوى وامتازت به.
كما تطرقت فيها إلى نشاطها السياسي والثقافي الوطني المقاوم للاحتلال، وإلى علاقاتها بالشعراء الفلسطينيين في مناطق 1948.
انتخبت فدوى طوقان عضواً في مجلس أمناء جامعة النجاح الوطنية، لدى تأسيسها في نابلس سنة 1977، وكان النشيد الرسمي للجامعة من نظمها، كما منحتها هذه الجامعة الدكتوراه الفخرية.
ومن آثار طوقان الأدبية، شعراً، “صدر لها، ما بين سنتي 1952 و 2000، ثمانية دواوين شعرية. وجمعت أعمالها في: “الأعمال الشعرية الكاملة”. بيروت: دار العودة، 2004.
كما تُرجمت منتخبات من شعرها إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والفارسية والعبرية، ومن آثارها النثرية: “أخي ابراهيم، رحلة جبلية رحلة صعبة، سيرة ذاتية”، والرحلة الأصعب: سيرة ذاتية”.
يذكر أنه عند رحيل طوقان نعتها السلطة الفلسطينية إلى العالم، وإلى المهتمين بشؤون الفكر والأدب والثقافة، قائلة: “ننعى رحيل شاعرة فلسطين الكبيرة، رائدة الإبداع، ابنة جبل النار نابلس، ابنة فلسطين، المناضلة المربية الفاضلة، وأحد أعمدتها الثقافية، والأديبة الراسخة والمميزة، الحائزة وسام فلسطين، الشاعرة فدوى طوقان”.
روان السيد – تلفزيون الخبر