كاسة شاي

بين شتاء الخير وشتاء الهم المواطن حائر بين واقعه وذكرياته

“بعبع الشتوية” يقترب من منازل السوريين، والخوف بدأ يتسرب للموظفين وأصحاب الدخل المحدود، فشتاء “الخير” سيطل، كعادته منذ سبع سنين، كمأساة حقيقية تجتاح بيوت المواطنين .

فالمطر الغزير يعني العطالة عن العمل، وهطول الثلوج يعني زيادة في مصروف المحروقات، وتدني درجات الحرارة يعني زيادة بالأمراض، فضلاً عن مصاريف إضافية كأجور الأطباء والأدوية التي يتضاعف سعرها كل سنة.

وكان للشتاء في مختلف المحافظات السورية طقوس وعادات وأساليب تساعد الأهالي على مقاومة برده وتحدي الفصل الطويل بالكثير من الحيل، كتخزين الطعام وصناعة الملابس الصوفية والاعتماد على أطعمة تعطي طاقة إضافية للجسد، وغيرها.

وقالت فاطمة، 50 عاماً، لتلفزيون الخبر “كانت والدتي تقوم بطهي مأكولات خاصة للشتاء معظمها مما تم تجفيفه وتخزينه في الصيف، لأن خضار فصل الشتاء لا تعطيك خيارات واسعة للطهي، واليوم توجد الخيارات ولكن لا توجد الليرات فما زلنا نعتمد على ما نخزنه صيفاً في الكثير من الأطعمة، كسيد الباذنجان، ورق العنب، البندورة المغلية، الفول”.

وأضافت أم وائل “في الايام شديدة البرودة كنا نطهي بعض المأكولات ذات الحرارة العالية، كشوربة العدس أو الكشك، ونتناولها صباحاً فهي تشعرنا بالدفء والطاقة، واليوم نطهيها لأنها الأوفر، فالبدائل عنها موجودة ولكنها غالية جداً، كما أن الحلويات المصنوعة بالسمن العربي كان لها دور كبير في غذائنا اليومي، واليوم “كاسة شاي حلوة” في الصباح تعمل كبديل حقيقي عنها”.

فيما قالت ناهد، معمرة 79 عاماً، ” كنا نفرش البيت بأكمله شتاءً بالسجاد السميك ونضع “صوبية” المازوت أو الحطب وسط الغرفة وعليها “منشر” لتجفيف الثياب وابريق ماء كبير للحصول على المياه الساخنة دائماً، وذلك لعدم توفر سخانات الكهرباء في كل البيوت، ومازالت هذه العادة مستمرة لأن الكهرباء تختفي عند أول قطرة مطر تهطل في البلد”.

وأضافت ناهد “كان الاستحمام لمرتين في الأسبوع فقط لصعوبة تسخين الماء وغسل الثياب، وغالباً تتم صناعة الثياب على اليد (حياكة الصوف)، لأنها سميكة وتوفر المال، وتبقى محافظة على جودتها لوقت طويل فيلبس البلوزة الواحدة عدة أطفال كلما صغرت على واحد منهم”.

وشرحت صاحبة 79 عاماً عن بعض العادات المتبعة شتاءً قائلة “في المساء وبعد ان ينتهي الاولاد من تناول العشاء، كنا نفرش “الطراحات”، فرشات النوم، بجانب بعضها، ونضع الأطفال بجانب بعضهم، ونغطيهم “باللحف” المصنوعة من الصوف، وذلك ليمنحوا بعضهم الدفء وأستلقي أنا أو جدتهم بجوارهم ونقص عليهم حكايات وقصص حتى يناموا” .

وأشارت ناهد الى أنه “في اليوم المشمس تقوم ربة المنزل بالتنظيف الشامل للبيت بمساعدة أولادها، بدلاً من ان تستغله للتنزه، وعند انقطاع الكهرباء ليلاً كانوا يستخدمون قناديل الكاز أو الشمع للإنارة، وكلما كانت زجاجة القنديل لامعة ونظيفة فإنها تعبر عن مهارة ربة المنزل ونظافتها”.

أما أبو علي قال عن فصل الشتاء “كان الشتاء أيام زمان فصل الكسل، فلا عمل بالزراعة، فلا نستطيع الذهاب للأرض للعمل بها، فالمحاصيل تكون مجنية ومخزنة، والسهر محدود، وعادة نصاب بالخمول والرغبة بالنوم لساعات متواصلة”.

وشرح أبو علي عن سبب بناء البيوت بشكل مرتفع عن الأرض “كان البيت المرتفع عن الأرض معيار للجاه والمكانة العالية عند الناس، ولكن السبب الحقيقي لبنائه بشكل مرتفع عن الأرض بنصف متر أحياناً، هو لمنع مياه السيول من الدخول للمنازل عند هطول الأمطار بشكل غزير، وخاصة أن الأرياف لم تكن مزودة بشبكات صرف صحي مثل اليوم”.

ويختلف اليوم الشتاء بعيون السوريين في نقطتين أساسيتين هما الذكريات الدافئة و”القلة والتعتير”، حيث يجد أغلب المواطنين أن الشتاء هو حالة رومانسية ليس أكثر، فتأمين المحروقات والاحتياجات الشتوية بحاجة إلى أبطال وأصحاب نفوذ نظراً للغلاء وصعوبة المعيشة.

وقال عامر، موظف حكومي، “تأمين “لبن العصفور” أهون من تأمين 20 ليتر مازوت في الشتاء، وهذه السنة سأعتمد على الحطب في التدفئة، مع أن تكلفته تكاد تقارب تكلفة المازوت”.

ويشتكي الموظف من صعوبة الحياة شتاءً “مصاريف شهر من شهور الشتاء بحاجة الى أربعة أضعاف راتبي شهرياً وخاصة أننا نستقبله بالمونة وانطلاق المدارس والجامعات وشراء الثياب الشتوية”.

وأضاف عامر “أنا لم أشتري ثياب جديدة منذ ثلاث سنوات، ولكن ابنتي الجامعية بحاجة لها كل سنة، فلن أسمح بأن تشعر بالنقص بين أصدقائها، ومن ناحية المونة قمنا بتموين الأساسيات فقط وكما يقول المثل “محدا بموت من الجوع” .

وبين دفء الذكريات وبرودة الحاضر، يقف المواطن حائراً بين ذكرياته وواقعه منتظراً، فأسابيع قليلة وتصدح الإذاعات صباحاً بأغنية فيروز رجعت الشتوية، ويصدح صوت المواطن السوري المشتكي “القلة والتعتير” مطالباً بحلول من الحكومة تنقذه من واقع معاناته السنوية.

يزن شقرة_ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى