في ذكرى اغتيال البركان .. كل محاولات الرثاء لا تُلَبي
يقول محمود درويش: “اذهبوا إلى اسم غسان كنفاني واسرقوه، أطلقوا اسمه على أي شيء وعلى كل شيء.. أطلقوا اسمه عليكم واقتربوا من أنفسكم، من حقيقتكم ، تقتربون من الوطن”.
عاش كنفاني الذي ولد في شمال فلسطين، عكا على وجه التحديد، في دمشق وعمل فيها ثم في الكويت، وبعد ذلك انتقل إلى بيروت وعمل فيها في عام 1960.
وفي تموز 1972 كان عليه أن يستشهد وآلاف القصص التي كانت ستكتبه وتكتبنا ساكنة في أصابعه، كان عليه أن يموت بقنبلة في سيارته، بعد أن جرّب الموت ألف مرة، وهو هناك يختنق في خزّان تشويه الشمس، مع أبطال روايته القصيرة “رجال تحت الشمس”.
يعد غسان كنفاني أهم وأسمى رموز القضية الفلسطينية فهو العامل، المنتج، القارئ، و الكاتب الذي وقف مع المظلومين والفقراء وكان يكره الطبقة الرأسمالية الاستغلالية.
غسان الذي غيّر بقلمه وفكره نظرة الكثيرين للقضية الفلسطينية ممن جلس معهم وأرشدهم إلى الحقيقة والواقع الفلسطيني المرير وما يتعرض له الشعب من قتل وتدمير وسلب وتهجير.
و ترك كنفاني إرثاً ثقافياً مهماً، فقد أصدر: موت سرير رقم 12، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1961، وأرض البرتقال الحزين، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1963، ورواية رجال في الشمس في بيروت عام 1963، وقد حولت إلى فيلم بعنوان ‘المخدوعون’.
وأحسن كنفاني سبك رواية أم سعد 1969، ورواية عائد إلى حيفا 1970، ومجموعة قصصية بعنوان الشيء الآخر، صدرت بعد استشهاده 1980، وثلاث روايات غير مكتملة هي العاشق، والأعمى والأطرش، وبرقوق نيسان.
و تبقى “ظاهرة الكنفانيين أهم ما تركه غسان وهي التي لطالما لم تنقطع بل استمرت عبر أجيال متعاقبة من معتنقي أدبه وفكره وقضيته.
وكتب غسان للثورة وبنادقها التي لم يكن مستقرها في فكره إلا الأكتاف، لأنه ظلّ يراها الحقيقة الوحيدة للنصر.
وكتب عن الحرية التي لا مقابل لها، وكان يقول دائماً: “لن أرتدّ، حتى أزرع في الأرض جنتي، أو أقتلع من السماء جنة، أو أموت، أو نموت معاً” و هو من قال “الخيانة بحد ذاتها ميتة حقيرة”، لذا، فقد كان عليه أن يموت واقفاً.
و أبى غسان إلا أن يستنطق القلم، لم ينفذ عملية انتحارية، أو يسدد بالبندقية، لكن قلمه كان كافياً ليجعل منه هدفاً ملحاً للعدو “الإسرائيلي”.
كنفاني الذي تبنى البساطة اللغوية النابعة من عمق بحر حيفا وعلو أشجارها كي يبقى منتظرو العودة إليها يرنون إلى ذلك العلو بل أعلى بكثير، والذي نادى كثيراً “للرجال تحت الشمس” كي يدقوا جدران الخزان، وما دقوه .. بينما لم تتخلَ ساعته عن دقاتها إبان الانفجار، و لم تتوقف لتعلن استمرارية روحه الحاضرة دوماً.
روان السيد – تلفزيون الخبر