ماهر بلال .. حكاية الشهيد الذي عذبه وقتله أول “أمير” للارهاب في حمص
أقفل الشهيد ماهر سنوات غربته السبع في لبنان، عائداً حيث حتفه بمدينة أُضْرِمت فيها نيران الخراب لتحيل بساطتها إلى موت ينتشر في شوارعها وأزقتها ذات حرب.
حمل ماهر علي بلال حقيبته ومدخرات غربته ليعجل في ترتيب منزله وتجهيزه للزواج، وذلك قبل شهرين فقط من اندلاع الأحداث في المدينة التي ولد فيها وأحب أهلها، ودون أن يتوقع أن لحى الجاهلية بكامل جبروتها ستستيقظ وتفتك بسياطها الظالمة جسده النحيل.
تناول الشهيد ماهر عشاءه الأخير في منزل أخيه جهاد، وفي الصباح استقل سيارته التي اشتراها قبل أيام ليدفعه الموت المتربص إلى حتفه.
وقال أخوه جهاد لتلفزيون الخبر “في الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم 6/9/2011 اتصلت والدتي وهي تشعر بالقلق على ماهر، فعاودت الاتصال به وطمأنتها بأنه مع زملائه في الحي لم يبتعد”.
وأضاف جهاد “بعد أقل من ساعة اتصلت به فلم يجب، حاول أهله الاتصال مجدداً فرد عليهم شخص آخر ليتبين أن ماهر خطف في حمص القديمة ومن يجيب على هاتفه هو قائد عصابة مسلحة يدعى بلال الكن”.
ويستحضر جهاد بلال تلك اللحظات بكثير من الأسى، وأرغمه استذكار الحادثه على ذرف الدموع وإن حاول إخفاءها، وتابع “أشعر بقهر لن انساه ما حييت، فقد كانوا يسمعونا صوته تحت التعذيب وهو يصرخ دخيلك يا جهاد ساعدني، دخيلك يا طاهر ساعدني”، في اشارة إلى أخيه الآخر”، مضيفاً “وللأسف لم نتمكن من مساعدته فقد مات بين أيديهم”.
وأكمل جهاد “تواصلت مع عدد كبير من الأصدقاء قبل أن نعرف بأن ماهر خطف على بعد 20 متر من كنيسة أم الزنار بحمص القديمة، من قبل حاجز طيار لمجموعة بلال الكن”.
وتابع جهاد “ومساء اليوم ذاته اتصل بلال الكن مجدداً، فقلت له “لماذا تعذبونه وهو إنسان لم يكمل شهره الثاني في سوريا ولا يعرف شيئاً عن الأحداث فلو كنت رجلاً لما فعلت ذلك بشاب لايملك مايدافع به عن نفسه”، فطلب مني أن أحضر بمفردي في الساعة التاسعة ليلاً إلى مستوصف الخالدية ومعي مبلغ 800 ألف ليرة سورية وسيارتي الخاصة، وافقت على طلبه دون تفكير”.
وأضاف أخو الشهيد “وعند اقتراب الموعد بدأت بالاتصال على هاتف اخي فكان مغلقاً، و بقيت اتصل حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً دون فائدة، فأيقنت أن أخي استشهد تحت التعذيب، فجمعت إخوتي وطلبت منهم أن نبدأ بتقبل التعازي اعتباراً من اليوم التالي وأن نحسبه عند الله شهيداً”.
وأردف جهاد “كما طلبت منهم ان يمنعوا أية ردود فعل من قبل أفراد العائلة، ونقطع على الخاطفين خطتهم في تأجيج الشارع وسفك الدم”، مضيفاً “كنت اتفهم نية الخاطفين في استهداف اخي ماهر لكونه ابن عائلة كبيرة ومعروفة في حي الزهراء، وبالتالي ستكون هناك ردات فعل للثأر وهذا مالم نسمح به ورفضناه”.
بدوه، قال طاهر بلال، الاخ الثاني للشهيد، “ذهبنا الى المشفى العسكري في اليوم الثاني لنتعرف على الجثمان، بعد ان وردتنا معلومات عن وجود عدد من جثامين الشهداء هناك، وتعرفنا اليه أول وصولنا، وكان جلياً أنه تعرض لتعذيب وحشي حيث تم حرق جسده “بالشلمون” المستخدم في لحام المعادن وتم ذبحه في الجهة اليسرى من عنقه وكسروا انفه”.
وأضاف طاهر “تم تشييعه من المشفى العسكري إلى مسجد فاطمة الزهراء، ومنها الى الفردوس في موكب مهيب شاركت به معظم أحياء حمص”.
وبعد انتهاء فترة العزاء، ترك جهاد بلال وأخيه طاهر أعمال التجارة التي كانوا يمتهنونها، وانتقلوا للعمل العسكري في تشكيل رديف للحرس الجمهوري وشاركا في معظم المعارك ضد المجموعات المتشددة وفي عدة محافظات سوريا.
وأوضح جهاد عن عمله العسكري “لم نكن على علم باستخدام السلاح قبل استشهاد أخي، ولأننا شعرنا أن الموت بات يلاحق الأبرياء ويهدد الجميع كان خيارنا القتال، واستمريتنا على هذه الحال حتى تعرضت لاستهداف كيماوي من قبل المسلحين في جوبر”.
وأضاف جهاد “خضت بعدها لفترة علاج وتوقفت عن العمل العسكري بعد سنوات من الحرب، وكذلك أخي طاهر أصيب مرتين وتوقف عن الاعمال العسكرية وبدأنا برعاية أهلي، فوالدي فقد بصره من حزنه على استشهاد ماهر وكذلك والدتي لم تعد بصحتها وهي بحاجة لرعاية دائمة”.
يذكر أن الشهيد ماهر علي بلال من مواليد حمص 1979، عازب، وهو الأخ الأصغر لأسرة مؤلفة من خمسة شباب، وعثر على جثمانه مع جثامين عدد من المخطوفين الذين خطفهم الارهابي بلال الكن في اليوم ذاته وهم “عواطف محمد أيوب البالغة من العمر 48 عاماً، عماد الدين خليل اليوسف، سامي ميخائيل الكاشي، ناجي عبد الحليم يوسف”، علماً أن الارهابي بلال الكن قتل في اليوم التالي لترتاح أرواح الشهداء في عليائها.
محمد علي الضاهر- تلفزيون الخبر – حمص