فلاش

في ذكرى تحرير الشهباء.. “هي ليست لأحد.. هي قداسة المدن”

سنة مضت على إعلان مدينة حلب، أقدم المدن المأهولة في التاريخ، محررةً بشكل كامل من المسلحين المتشددين الذين انتهوا جميعهم بالسقوط أمام الجيش العربي السوري ومدينة الحياة شهبا المقدسات.

لا الروم ولا المغول ولا “مستحدثي الحرية” الذين ظهروا في زماننا، كانوا نداً لأقدم مدن العالم، فجميعهم مروا من هنا، ولا أحد منهم بقي سوى قلعة حلب وروائح زعترها بأنواعه المبهرة .

لا أحد يمكن أن ينكر “الغصة” التي طالت جميع السوريين عند محاصرة المدينة الاقتصادية الأولى، ودخول المسلحين المتشددين إليها، إلا أن الأمل بقي موجوداً لأن ثمة حراس لهذه القلعة لم ولن يهنوا في الدفاع عنها ، حراسٌ هم أبناؤها أبناء الجيش العربي السوري الذين كانوا على قدر الأمل المعلّق عليهم .

عاشت مدينة حلب، أياماً وسنوات عصيبة، بعد الغزو الجرادي لأحيائها الشرقية وبالتالي تقسيمها بين شرقية وغربية.

ونتج عن هذا التقسيم أولى لعنات الحرب، معبر بستان القصر، أو ما عرف لاحقاً ب”معبر الموت” الطريق الذي يشهد على دماء الحلبيين.

فكم من الضحايا والشهداء والمغيّبين ابتلعهم “معبر الموت”، لا أحد يعلم حتى الآن مصيرهم، ليأتي في النهاية إعلان إغلاق المعبر بشكل نهائي قبل حوالي سنة من بدء عملية تحرير المدينة.

قصص مدينة حلب خلال الحرب أكثر من أن نستذكرها في مقال أو حتى كتاب، فمن صمود القلعة المحاصرة من كافة الجهات، إلى الحصار التي تعرضت له المدينة قبل فتح وتأمين الجيش لطريق خناصر، وصولاً لملاحم السجن المركزي و”شوكة” المخابرات الجوية في الزهراء، ومعضلات المحطة الحرارية.

أما تعريف حلب الأدق في تلك الأيام فكان “مدينة القذائف”، صدّق أو لا تصدّق: وصل الأمر بأهالي حلب إلى مساكنة القذائف وأسطوانات الغاز ” أحقر اختراع يمكن لمخيلة بشرية أن تتفتّق عنه”، باتوا يسمعون انفجارها في شوارعهم وبيوتهم دون أن يرف لهم جفن، أو يبدوا ردة فعل ، اللهم إلا شهقة الموت إن كانت هذه القذيفة أو تلك الأسطوانة من نصيبهم.

في الحقيقة يُخيّل لمن هم خارج حلب أمام الواقع الذي عاشته، أن المدينة ماتت، إلا أن هذه الحقيقة كانت ناقصة، فحلب هي من روضت الموت، صامدةً أمام كافة أشكاله التي عصفت بها، لتستيقظ صباح كل يوم مع ازدحاماتها الممزوجة بأصوات القذائف التي ألفها أهاليها.

وجاء نصر حلب الذي انتظره الملايين، بتاريخ 22 – 12 – 2016 ، كان حلماً انتظره أهالي مدينة حلب خاصةً، وكل السوريين عامةً، مترقّبين ومتابعين على مدار الدقائق وعلى إيقاع دقات قلوبهم.

تقدم الجيش العربي السوري باتجاه الأحياء الشرقية المحتلة، ليأتي إعلان الوصول للشيخ نجار فمساكن هنانو،”لا توقف الآن” هذا ما كان يصيح به أهالي حلب، “لا توقف”، إما التحرير أو الموت، لا خيار ثالث لنا.

ومن المساكن إلى بني زيد، أهم محاور المدينة الذي اكتمل الطوق على المسلحين بالسيطرة عليه، وصولاً للحيدرية فالميسر فالشعار والأنصاري، في كل هذه الأحياء كان الجيش يعلن النصر واضحاً، والاحتفالات تعم أرجاء المدينة وخارجها.

ولا يخفى على أحد الدموع التي ذرفت أثناء فك الحصار عن قلعة حلب، رمز الحلبين ومعشوقتهم التي لا تفنى، ليأتي التقاء الجيش العربي السوري بحامية القلعة مليئاً ببكاءٍ ممزوج بين فرح النصر واستذكار الشهداء.

“ما قبل حلب ليس كما بعدها”، هي كلمات واضحة وضوح الشمس، وصف بها الرئيس بشار الأسد معنى تحرير حلب، بفرح كل سوري يشاهد معارك التحرير، معلناً انتصار سوريا مع تحرير عشتارها.

حلب بقيت، وجحافل الموت ذهبت بلا رجعة، هو تاريخ مكتوب ويكتب وسيكتب كثيراً، تاريخ يقول إن الشهباء أقدم مدينة مأهولة في العالم، ستبقى الأقدم وتجدّد شبابها، سيمر عليها أجيال وأجيال، ويذهبون، وهي هي حلب، هي ليست لأحد، هي قداسة المدن، تكسّر أمام أحجارها محتلون ذكروا، وآخرون لم يذكروا.

في ذكرى تحريرك، آن لنا أن ننفض عنك غبار حربٍ شردتنا لتجمعينا بحجارتك مجدداً، قتلتنا لتحيينا بتاريخك، سلبت منا أحباءنا لتعيديهم إلينا بترابك الذي احتضنهم، غاصت بها قلوبنا التي اعتادت على الدماء، لترفعيها بشموخ قلعتك التي لم ولن تسقط.

وفا أميري – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى