فلاش

مخيم اليرموك..سُبحِة الشتات الفلسطيني التي “فرطت”

الخامس عشر من كانون الثاني عام 2012 وما تلاه من أيام من هذا الشهر، لم تكن أياماً عادية على مخيم اليرموك، المخيم الذي عاش أهله سنيناً لازالت راسخة في ذواكرهم، كانت أياماً مختلفة عما قبلها من سنينٍ ملاح.

ففي هذه الأيام شهد المخيم مايسميه الكثيرون من أهله “كابوساً” أرَّق ما أشادوه تحت سمائه مذ اعتُمِد ملاذاً للاجئين الفلسطينين في سوريا، ولُقِبَ بعاصمة الشتات الفلسطيني.

هو الذي لم يخلُ منزلٌ من منازل سكانه من ذاك المفتاح الذي تشبث به الأجداد محافظين على آخر بوارق أمل العودة، وهو الذي جمع أحلاماً كبيرة لشبابه الواعد المتطلع إلى المجد المتصل بحق العودة إلى فلسطين.

مخيم اليرموك الذي عبرته أول سنة ونيف من سنوات الحرب السبع التي تمر بها سوريا، وهو آمناً مستقراً حاضناً لنازحي الجوار، و متبعاً سياسة النأي بالنفس حفاظاً وصوناً لقدسية الوجود الفلسطيني في سوريا.

لكن ذلك لم يطل، جاءت النكبة الثانية التي عاشها فلسطينيو مخيم اليرموك لتهدم ما أُشِيدَ من حجر وأحلام وآمال للكثيرين، فلم يكن البقاء فيه مقبولاً أبداً لدى الرجل الأربعيني سعيد أحمد الذي قال لتلفزيون الخبر إنه “ما إن رأى ثلة من المسلحين يتجولون في الأزقة بجوار منزله حتى جمع عائلته محاولين الفرار تحت أزيز الاشتباكات”.

بينما تؤكد سيدة فلسطينية تسكن حالياً منزلاً بالإيجار في صحنايا وهي طبيبة أسنان تدعى سهى بياعة أن “الكارثة التي حلت أضاعت “شقى العمر” على حد وصفها، فكل سعيها وزوجها لتأمين حياة مستقرة هانئة لأولادهم ذهب هباءً بما ألم بهم”، مشددة على أن “الاجارات هلكتنا”

من جهته، رئيس لجنة المصالحة في المنطقة الجنوبية ودمشق الشيخ محمد العمري قال لتلفزيون الخبر “مخيم اليرموك كان آمناً، ومن المفروض أن يكون أكثر نقطة آمنة في كل سوريا نظراً للحساسية الدولية التي يتمتع بها، ونظراً للقضية الفلسطينية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً به”.

وتابع العمري “أبت كل الجهات المعارضة إلا أن تزج المخيم في الحرب في سوريا، عن طريق المرتزقة وأصحاب النفوس الضعيفة وحولت الواقع الميداني في المخيم لحالة من الفوضى والانقلاب على الأمن الذي كان يعيشه سكانه من الفلسطينين والسوريين”.

وأضاف “بدخول الجماعات المسلحة المتآمرة على المخيم والتي نسقت مع قوى معارضة خارجية إلى شوارعه، خرج الأهالي في يوم نكبتهم الثانية، وتصدى الجيش العربي السوري للوجود المسلح حينها”.

وأردف العمري “كانت الجبهة الشعبية القيادة العامة أول المحافظين على مخيم اليرموك طيلة ثمانية أشهر قبل دخول المسلحين إليه، وذلك من خلال اللجان الشعبية التي شكلتها وكان أغلبهم من المتطوعين”.

وأوضح العمري أن “البعض ممن حملوا السلاح ضمن اللجان الشعبية قاموا بغدر أهلهم بالتنسيق مع مسلحي المنطقة الجنوبية لاختراق مخيم اليرموك بالاتفاق على إسقاطه”.

وأكد العمري أن “الوجود المسلح في مخيم اليرموك ذو خُرقة واحدة لكن مع اختلاف المسميات، لكنهم بذات الإرهاب والإجرام بدءاً من “الجيش الحر” وصولاً إلى “جبهة النصرة” و”داعش”.

وأردف الشيخ العمري أن “الشعب الفلسطيني يستنكر ما حصل، وأن هذا الشعب الذي احتضنته سوريا وساوت بين حقوقه وحقوق السوريين معنيٌ بشكل مباشر بقضية سوريا وهي قضيته إلى جانب قضية فلسطين”، مشيراً إلى أن “الفلسطيني استطاع أن يعبّر عن وفائه لسوريا بوقوفه إلى جانب الجندي السوري في ساحات المعارك ضد المسلحين”.

وشدد العمري على ضرورة أن “تتضافر الفصائل الفلسطينية و توحد جهودها لمحاولة إعادة المخيم ويجب إلغاء الانقسامات والاختلاف في الراي”، مؤكداً على أن “الأجندة الخارجية التي ارتبط المسلحون بها مع دول تريد إسقاط حق العودة تؤثر على عودة المخيم”.

وركز على أن “المخيم سيعود عاجلاً أو آجلاً وعلى أن هذا التأخير يأتي لأن الدولة السورية تحترم القوانين والأعراف بين الشعب والدولة”، مضيفاً “هناك مفاجأت في منطقة الغوطة، والدولة لن تترك أي منطقة سوريّة بين أيادي المرتزقة، والنصر صبر ساعة”.

بدوره، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة لتلفزيون الخبر ياسر المصري إننا “في الذكرى الخامسة لخروج الأهالي من اليرموك، الذي يعتبر نكبة ثانية للفلسطينين الذين كان يبلغ عددهم حوالي 150 ألف، وبعد خروجهم وصلت نسبتهم في المخيم قرابة 15% من السكان وهذه النسبة التي عانت شظف العيش لأنها لم تخرج من منازلها”.

وأضاف المصري “كان من الواجب أن يكون هناك خط دفاعي، وهذا ما قامت به الجبهة الشعبية القيادة العامة” مشيراً إلى أن “عدد المسلحين الذين هاجموا مخيم اليرموك بلغ خمسة آلاف مسلح”.

وعن مشروع استعادة المخيم، قال المصري “في الفترة السابقة حاولنا في حركة فتح الانتقاضة والقيادة العامة أن نبذل جهوداً لتحرير المخيم من المسلحين وعودة الأهالي لكن هناك عوامل أعاقت ذلك، أهمهاالموقف المتشتت فلسطيناً”.

يشار إلى أن مخيم اليرموك هو أشهر مخيمات اللاجئين الفلسطينين في سوريا، وعاشت فيه نسبة من السوريين أيضاً، وأُنِشئَ عام 1957 على مساحة تقدر ب 2.11كم مربع، لتوفير الإقامة للاجئين الفلسطينين الذين ما لبثوا أن حولوه إلى مدينة صغيرة كاملة المعالم ينقصها جامعة، على حد قول أحدهم.

ربما هو كذلك مدينة صغيرة أراد من أراد لها خراباً، ربما ضاق ذرعهم بما وسعت به قلوب الأهالي من محبة وألفة، الأهالي الذين ذاقوا النكبة مرتين هم الحلقة الأضعف في كل ذلك فمنهم من هاجر تاركاً جلَّ أحلامه معلقة، ومنهم من ينتظر سبيلاً ليعيد حبْكْ سُبل تحرير فلسطين بعد أن مُزِقَت تلك السبل.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى