المكتبة العادلية..امتداد للإرث الثقافي السوري
“الدهر يبدأ من دمشق وعندها تبقى اللغات وتحفظ الأنساب” هذا ما أبدع به الدمشقي نزار قباني في وصف دمشق التي حفظت التاريخ وكانت خير شاهدٍ على من عبرها
وكانت دمشق عبر التاريخ نواةً ومرجعاً لكل من أراد التزود بالثقافة، في الوقت الذي اجتمعت فيها كل المقومات الثقافية والفكرية، فأهم دور التعليم كانت في دمشق، وأهم المخطوطات التاريخية حفظت في دمشق، وأعظم المكتبات التي جمعت الإرث الثقافي التاريخي كان موقعها الجغرافي والروحي.. دمشق.
ومن أهم تلك المكتبات التي لا زالت منهلاً لأندر الكتب المكتبة العادلية في دمشق، فعلى بعد يضعة أمتار من أموي دمشق، وبين بابي الفرج والفرادييس التاريخين تقع المكتبة العادلية.
وتنسب المكتبة العادلية للملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، والد الملوك الأيوبيين وأخي صلاح الدين الأيوبي، وكانت الغاية من بنائها العناية باللغة العربية، وكانت مقراً للمتحف الوطني أيام الانتداب الفرنسي، ثم أصبحت المقر لأول مجمع للغة العربية في العالم العربي، “وفق ما أكد مدير المكتبة العادلية أنور درويش لتلفزيون الخبر”
وأضاف “عُنيت المكتبة منذ تأسيسها بتدريس اللغة العربية، وتعرضت للهدم أيام قازان، حيث هدم قسم منها وأعيد بناؤها، وظلت تحت سيطرة مفتي دمشق لمدة ثلاثة أجيال وتحولت حينها إلى سكن”.
وأكد درويش “أعاد إحياءها وسيرتها الأولى “كرد علي” وحينها أُسس فيها أول مجمع لغة عربية في العالم، إضافة إلى أنها شهدت تأسيس المتحف الوطني فيها، أيام الانتداب “الفرنسي”، ودارت فيها أحداثٌ جسامٌ ونزل بها عباقرة العلماء والادباء”.
ولفت المدير إلى أن “المكتبة شهدت أول لقاء أدبي لأحمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم بعد مرور ألف عام على وفاة أبو علاء المعري، وشهدت أيضاً تأليف أهم المخطوطات التاريخية وكان أهمها “ألفية ابن مالك” في النحو”
و وأوضح درويش “تراجع شأن المكتبة بسبب تراجع شأن مجمع اللغة العربية الذي ارتبطت به، بسبب انتقاله إلى منطقة المالكي في دمشق، وأصبحت المكتبة العادلية تابعة للمجمع، إضافة للمكتبة الظاهرية التي لاتقل شأناً عن العادلية”.
و نوه درويش إلى أن “المكتبة العادلية تعد نموذجاً لعمائر العهد الأيوبي، فهي تعتبر من أهم المباني من حيث التخطيط ورصانة البناء، والعناصر المعمارية المتقنة الصنع”.
و وأضاف: “طرأ على مخططها الأصلي بعض التعديل، لكن أقسامها الرئيسية وعناصرها الهامة لا تزال تحافظ على وضعها الأصيل، ومن ذلك واجهتها الشرقية والجنوبية وبوابتها”.
فبوابة المكتبة تمثل هندسة فريدة لا تشبه البوابات المألوفة في العصر الأيوبي، و تتألف من فجوة ترتفع بارتفاع الواجهة الحجرية، مسقوفة بعقد من الحجر في وسطه حجر متدلٍ كالمفتاح.
وأكد درويش أن “المكتبة العادلية تضم أقسام متنوعة كالمكتبة الفرنسية و المكتبة الانكليزية، وقسم الدوريات”المجلات”، وهناك قسم اللغات المختلفة بما يقارب 13 لغة”.
وتحدث مدير المكتبة لتلفزيون الخبر عن روادها الذين تراجع عددهم نوعاً ما بسبب الحرب، ولأن المكتبة العادلية تشارك في أعمال ترميم المكتبة الظاهرية، وتأخذ على عاتقها فهرسة الكتب التي أُخرجت من الظاهرية لحين عودتها”.
وتقابل المكتبة الظاهرية المكتبة العادلية في الموقع تماماً، لكنها متوقفة منذ عدة سنوات، بسبب أعمال الترميم التي أسهمت فيها جمهورية كازاخستان.
وأكد رئيس مجمع اللغة العربية مروان محاسنة لتلفزيون الخبر أن”إعادة افتتاح المكتبة الظاهرية سيتم بشكل رسمي، وبقرارمن الرئيس بشار الأسد، بحضور رئيس كازاخستان و ممثلين من مديرية الآثار والمتاحف وممثلين من حكومة كازاخستان”.
فدمشق أقدم العواصم المأهولة لم تكن محطة بدءٍ للدهر فقط كما قال نزار، و جداولها المنسابة لم تقتصر على العذب من المياه، بل كانت خير منهلٍ للثقافة التي روت الحضارة العربية بأمجاد ثقافية لم تجف.
روان السيد – تلفزيون الخبر