العناوين الرئيسيةسياسة

العزل السياسي.. ما مفهومه إطاره وتطبيقاته المحتملة في سوريا؟

في ظل التحولات السياسية التي تشهدها سوريا، انعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في قصر الشعب بدمشق، بمشاركة من عدة أطياف وشرائح مجتمعية، وخلصوا إلى 18 مخرجاً.

 

من بين هذه المخرجات، برز البند الثاني عشر الذي ينص على “تحقيق التنمية السياسية وفق أسس تضمن مشاركة كافة فئات المجتمع في الحياة السياسية، واستصدار القوانين المناسبة لذلك، والتأكيد على إجراءات العزل السياسي وفق أسس ومعايير عادلة”.

 

مفهوم العزل السياسي

 

العزل السياسي، المعروف أيضاً بالتطهير السياسي أو التفحص والاستبعاد، هو إجراء يُتخذ لمنع أفراد أو جهات معينة من المشاركة في الحياة السياسية لفترة محددة.

 

ويُطبّق هذا الإجراء عادة على الأشخاص الذين كانوا جزء من نظام استبدادي أو تورطوا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بهدف حماية العملية الانتقالية وضمان عدم عودة هؤلاء الأفراد إلى مراكز السلطة.

 

وعلى ضرورة ذلك في السياق السوري، يجب أن تُنفذ هذه العملية بحذر، بحيث لا تُستخدم كأداة انتقامية أو تتم بشكلٍ عشوائي دون معايير دقيقة، مع توفير آليات قانونية لتطبيقه وللتظلم في حال وجوده.

 

الإطار العام للعزل السياسي في السياق السوري

 

يأتي إدراج العزل السياسي في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري ضمن سياق المرحلة الانتقالية التي تهدف إلى إعادة بناء النظام السياسي وتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، وفي سياق العدالة الانتقالية التي تعتبر احتياجاً ضرورياً في سوريا.

 

ويُعتبر هذا الإجراء جزء من عملية العدالة الانتقالية، التي تسعى إلى معالجة إرث الانتهاكات السابقة وضمان عدم تكرارها، وذلك من خلال منع الشخصيات التي ساهمت في تأجيج الصراع أو ارتكبت انتهاكات من العودة إلى مواقع السلطة، ويُسهم العزل السياسي في تحقيق الاستقرار وبناء نظام سياسي قائم على العدالة والمساواة.

 

تجارب العزل السياسي في دول أخرى

 

تُظهر تجارب دول أخرى أن تطبيق العزل السياسي يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين، في بعض الحالات، ساهم هذا الإجراء في تحقيق الاستقرار ومنع عودة الشخصيات المثيرة للجدل إلى السلطة.

 

بينما في حالات أخرى، أدّى تطبيقه بشكلٍ عشوائي أو انتقامي إلى زيادة الانقسامات وتأجيج الصراعات الداخلية.

 

ومن الضروري أن يتم تطبيق العزل السياسي في سوريا وفق معايير واضحة وعادلة، مع توفير آليات قانونية للطعن والتظلم، لضمان تحقيق العدالة دون المساس بالاستقرار المجتمعي.

 

التحديات المحتملة لتطبيق العزل السياسي في سوريا

 

تُعدّ عملية تطبيق العزل السياسي في سوريا تحدياً معقداً نظراً لتركيبة المشهد السياسي والاجتماعي المتشابكة، وتأثير سنوات الصراع الطويلة على مختلف شرائح المجتمع، ومن أبرز التحديات التي قد تواجه هذه العملية:

 

تحديد الفئات المستهدفة: أحد أكبر التحديات هو رسم حدود واضحة لمن سيشملهم العزل، هل سيقتصر الأمر على شخصيات سياسية بارزة؟ أم سيمتد ليشمل شخصيات أمنية، عسكرية، واقتصادية لعبت أدواراً محورية أم ثانوية في تأجيج النزاع أو انتهاك حقوق المواطنين؟.

 

التوازن بين العدالة والمصالحة: في بلد عانى من انقسامات عميقة، يجب أن يُطبق العزل بطريقة تحقق العدالة من دون تعميق الشرخ المجتمعي، فقد يؤدي العزل الموسّع أو الانتقائي إلى تغذية مشاعر الظلم، مما قد يعرقل جهود المصالحة الوطنية.

 

الافتقار إلى مؤسسات مستقلة: إن نجاح العزل السياسي يعتمد على وجود قضاء مستقل وهيئات قانونية نزيهة، وهو أمر يحتاج إلى بناء مؤسسي حقيقي في مرحلة ما بعد الصراع، لضمان أن تُتخذ قرارات العزل بناءً على أدلة ومعايير قانونية واضحة، وليس وفق اعتبارات سياسية ضيقة.

 

التأثير على الكفاءات الوطنية: بعض الشخصيات التي كانت جزءً من النظام قد تمتلك خبرات وكفاءات إدارية ضرورية لمرحلة إعادة الإعمار. وبالتالي، قد يؤدي العزل الواسع والعشوائي إلى استبعاد كفاءات قد يكون لها دور إيجابي في بناء الدولة، مما يستدعي التمييز بين المسؤولية الفردية والإدارية.

 

التوظيف السياسي للعزل: قد تحاول بعض الأطراف استغلال العزل السياسي لتصفية الحسابات مع خصومها السياسيين، ما قد يحوّل الإجراء من أداة لحماية العملية الانتقالية إلى وسيلة لتعزيز النفوذ والسيطرة.

 

من قد يشمل العزل في السياق السوري؟

 

وفقاً لتجارب العدالة الانتقالية في دول أخرى، يمكن للعزل السياسي في سوريا أن يستهدف:

 

القيادات السياسية العليا: الشخصيات التي اتخذت قرارات مباشرة تسببت بتصعيد العنف أو قمع الحراك الشعبي.

 

المسؤولين الأمنيين والعسكريين المتورطين بانتهاكات جسيمة: القادة الذين تورطوا بشكلٍ مباشر في جرائم حرب أو انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

 

الشخصيات الاقتصادية الداعمة للنزاع: رجال الأعمال الذين موّلوا الميليشيات أو استفادوا من اقتصاد الحرب على حساب معاناة المواطنين.

 

أعضاء الأجهزة القضائية والإعلامية الذين ساهموا في ترسيخ الاستبداد: مثل القضاة الذين أصدروا أحكاماً سياسية أو الإعلاميين الذين حرضوا على العنف وتأجيج الكراهية.

 

لكن نجاح العزل السياسي في سوريا يعتمد على بناء آليات شفافة وعادلة، ترتبط بمنظومة العدالة الانتقالية، بحيث تُحقق المحاسبة دون الإخلال بحقوق الأفراد في الدفاع عن أنفسهم أو إعادة تأهيلهم سياسياً في المستقبل، إن أظهرت الأدلة إمكانية ذلك.

 

كيف تكون عملية العزل السياسي متوازنة؟

 

لضمان أن يكون العزل السياسي أداة لتحقيق العدالة لا عقبة أمام الاستقرار، ينبغي تصميمه ضمن إطار قانوني متكامل، يرتكز على:

 

إنشاء هيئة مستقلة للعزل السياسي: تتولى التحقيق في ملفات الشخصيات المشمولة، بالاستناد إلى وثائق وأدلة قانونية.

 

تحديد مدة العزل: العزل السياسي لا ينبغي أن يكون حكماً مؤبداً بالضرورة، بل يمكن أن يُفرض لفترة زمنية محددة، تترافق مع برامج تأهيل واندماج سياسي، بحسب طبيعة المخالفات.

 

ربط العزل بمسار العدالة الانتقالية: بحيث يكون جزءاً من عملية أوسع تشمل المحاسبة، جبر الضرر، والكشف عن الحقيقة، مما يعزز ثقة المواطنين في الدولة.

 

وبذلك يمكن للعزل السياسي أن يُصبح خطوة بناءة في عملية بناء سوريا جديدة قائمة على العدالة والمشاركة السياسية، بعيداً عن تكرار أخطاء الماضي أو خلق دوامات جديدة من الإقصاء والانتقام.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى