بين حنظلة والطوفان.. 37 عاماً على استشهاد المبدع الفلسطيني ناجي العلي
حلّت الذكرى 37 لاستشهاد رسام الكاركتير المبدع الفلسطيني ناجي العلي الذي عُرف برسوماته الناقدة للتخاذل العربي في نصرة فلسطين والداعمة للمقاومة.
ولد “العلي” في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة بالجليل عام 1937، وهاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان، وعاش في مخيم عين الحلوة لينال الشهادة الإبتدائية لينقطع بعدها عن التعليم النظامي.
ثم سافر “العلي” إلى طرابلس شمال لبنان ونال منها شهادة ميكانيك السيارات، ثم التحق بالأكاديمية اللبنانية عام 1960 ودرس الرسم فيها لمدة عام.
واعتقل العدو “الاسرائيلي” ناجي العلي منذ كان صبياً لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، وفي لبنان اعتقله الجيش اللبناني أكثر من مرة.
بدايته مع الرسم
تسببت زيارة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني إلى مخيم عين الحلوة نقلة نوعية في حياة ناجي العلي بعدما تعرف عليه، حيث أُعجب برسوماته ونشر أحدها في مجلة “الحرية” في 25 أيلول 1961 لتكون البوابة التي قدمته للجمهور وكانت الرسمة عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوح.
وفي سنة 1963 سافر “العلي” إلى الكويت ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً في “الطليعة” الكويتية، ثم “السياسة” الكويتية، تلاها العمل بصحيفة “السفير” اللبنانية في بيروت، وانتخب عام 1979 رئيساً لرابطة الكاريكاتير العربي.
عاد “العلي” إلى الكويت للعمل في جريدة “القبس” وظل بها مدة عامين قبل أن يتم ترحيله وينتقل إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة “القبس” الدولية.
رسوماته الرمز والثورة
رسم ناجي العلي نحو 40 ألف كاريكاتير خلال حياته أشهرها “حنظلة” التي ظهرت للمرة الأولى عام 1969 بجريدة “السياسة” الكويتية في أعقاب “نكسة حزيران”، حيث مثلت طفل فلسطيني في العاشرة من عمره يعقد يديه خلف ظهره ليصبح رمزاً للقضية الفلسطينية.
وقال ناجي العلي عن “حنظلة” إنه “ولد مع حرب الخامس من حزيران 1967، وهو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية ولد في العاشرة من عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي العاشرة غادر فلسطين وحين يعود إليها سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء كما فقدان الوطن استثناء”.
وقام “العلي” بعد حرب تشرين التحريرية 1973 بتكتيف يدي “حنظلة”، وحينما سُئل عن السبب أجاب “كتفته بعد حرب 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة فهو ثائر وليس مطبع”.
وحول موعد رؤية وجه “حنظلة” تحدث المبدع الفلسطيني “عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته”.
وكان لدى ناجي العلي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه مثل شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها “فاطمة”، والتي تعتبر شخصية لا تهادن ورؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحياناً.
إضافة لشخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلاً به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين.
علاوة على شخصية الجندي الصهيوني طويل الأنف الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكاً أمام حجارة الأطفال وخبيثاً وشريراً أمام القيادات الانتهازية.
استشهاده
تلقى الشهيد ناجي العلي العديد من التهديدات نتيجة رسوماته المقاومة التي شكلت تهديداً للعدو “الإسرائيلي” بعد تحولها لرمز ثوري عربي، لكنه لم يأبه لهذه التهديدات وظل مستمراً في نتاجه الفني الثوري.
في 22 تموز 1987 وحين كان “العلي” يعيش في بريطانيا أثناء عبوره في شارع “آيفز” في لندن، أطلق شاب “مجهول الهوية” رصاصة على رأسه ليسقط على الأرض ويدخل في غيبوبة استمرت حتى 29 أب موعد استشهاده، ودُفن في مقبرة “بروك وود” الإسلامية في لندن.
ويكتنف الغموض حول اغتيال ناجي العلي، ففي اغتياله هناك جهات مسؤولة مسؤولية مباشرة، الأولى الكيان عبر جهاز “الموساد”، والثانية منظمة التحرير الفلسطينية كونه رسم بعض الرسومات التي تمس القيادات آنذاك.
في 30 أب 2017 وبعد 30 عاماً على الاغتيال، أعلنت الشرطة البريطانية فتح التحقيق مُجدداً في القضية دون أي نتيجة حتى تاريخه.
“حنظلة” الخالد
عاد “حنظلة” للظهور مرة أُخرى بعد عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول الماضي، حيث حاول عشاق ناجي العلي استذكار “حنظلة” بعد رؤيته صنائع الشباب الفلسطيني الجديد الذي أكد أن الحق لا يموت رغم الخيانة والتخاذل والصمت الدولي والتطبيع.
يذكر أن الشهيد لخص مسيرته النضالية خلال قول له ورد فيه “اسمي ناجي العلي .. أرسم .. لا أكتب أحجبة لا أحرق البخور ولكنني أرسم، وإذا قيل أن ريشتي مبضع جراح أكون حققت ما حلمت طويلاً بتحقيقه.. كما أنني لست مهرجاً ولست شاعر قبيلة.. أي قبيلة.. إنني أطرد عن قلبي مهمة لا تلبث دائماً أن تعود .. ثقيلة .. ولكنها تكفي لتمنحني مبرراً لأن أحيا”.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر