العناوين الرئيسيةثقافة وفن

“الفراتي”.. الشاعر الغائب الحاضر في قلوب أبناء ديرالزور

ولد محمد بن عطا الله العبود المُلقب ب “الفراتي” عام 1878 في مدينة ديرالزور وبدأ تعليمه فيها، ومن ثم انتسب إلى مدرسة الرشدية، وتابع دراسته الجامعية في حلب.

وسافر “الفراتي” بعدها إلى مصر والتحق بالأزهر من عام 1911 حتى 1914، وانتظم في الرواق الشامي، ولُقّب حينذاك “الشيخ الفراتي” لأنه كان ينظم القصائد الشعرية ويذيّلها باسمه، وأيضاً للعُرف السائد في حينها، حيث يُلقّب الشعراء نسبة إلى بلدانهم كابن النيل أو ابن دجلة، فما كان من زملائه إلا أن أطلقوا عليه ابن الفرات “الفراتي”.

شارك “الفراتي” في الثورة العربية الكبرى، وكان يجمع البدوية والعشائرية مع الوجودية والاشتراكية، فمنحه الملك فيصل بن الحسين رتبة ضابط (إمام طابور) في الثورة العربية الكبرى، ثمَّ كلَّفه بالإفتاء وبكتابة الخُطب الحماسية للثوار .

وهذا ما أكثر عليه الحاسدين، فكثرت حوله الوشايات التي كادت تزجهُ في غيابه السجن، فيعود إلى مصر منتظراً الفرج، وانخرط في صفوف ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول وشارك فيها، وبعد فشلها واعتقال “زغلول”، ترك مصر وعاد إلى سوريا ومن ثم إلى مدينته ديرالزور.

وكانت الثورة السورية في ذلك الوقت على حالة من الاشتعال، فانضم إلى الثائرين، وقاد تظاهرة كبيرة من أهالي ديرالزور وهو يلبس العمامة والجبَّة الأزهريين، وخاطب الملك فيصل بن الحسين في قصيدة بعد أن أصدر أمراً للثوار بتسليم المدينة إلى الإنكليز.

وعندما سقطت سوريا بيد الفرنسيين بدأ الفراتي حياته في مهنة التدريس، وعُيَّن أستاذاً (أوَّل) في أول مدرسة تمَّ إحداثها في عهد الفرنسيين عام 1920، ثمَّ أصبحَ مديراً لها، وبعدها عُيّن مديراً للمعارف في لواء ديرالزور.

وفي تلك الآونة قام “الفراتي” بتأجيج الصراع وتجييش رأي الطلاب بشعره ضدَّ الفرنسيين الذين احتلوا سوريا وكانوا يحتلون الجزائر، مما أغضب المستشار الفرنسي الذي كان يحضر حصَّة دراسية له، فعمل على تسريحه من التعليم.

 

وتفاجأ الفراتي بتسريحه هذا وقابِل على الفور وزير المعارف السوري (رضا سعيد) ليعرف أسباب التسريح، فيدور بينهما حوار ضارٍ يدفع الوزير للاستنجاد بالشرطة السريَّة لتعتقل الفراتي، ليلجأ بعدها إلى العراق ويلقَى ترحيباً من المفكِّر ساطع الحصري الذي قام بتعيينه مدرِّساً لمادَّة اللغة العربية، إلا أنَّ إقامته لم تطل فعاد عام 1930 إلى مدينة ديرالزور، وإلى مهنة التدريس، فعلم اللغة العربية إلى جانب التربية الدينية والرسم.

 

و شارك الفراتي في في حفل تأبين الشاعر خليل مطران بالقاهرة ضمن الوفد السوري الذي كان يرأسه وزير المعارف أمجد الطرابلسي، وبعد عودة الوفد من مصر عرض الوزير الطرابلسي على “الفراتي” العمل في وزارة الثقافة مترجماً للفارسية فقبلَ وبقي في عمله هذا مدَّة أربعة عشر عاماً ترجم خلالها كتاب البستان لسعدي الشيرازي الذي يضم أربعة آلاف ومئتي بيت من الشعر.

 

وترجم “الفراتي” رباعيات الخيام، وقواعد اللغة الفارسية وتعليمها بالعربية، ووضع قاموس فارسي عربي، وترجم أيضاً حي تبريز وديوان بهارستان ونصيحة العطار وروضة الورد وغيرها، وكان من آثاره في الشعر دواوين: الفراتي، والنفحات، والساحر، والعواصف، والهواجس ومخطوطان شعريان هما: صدى الفرات، وسبحات الخيال.

 

وصدرت عن حياة “الفراتي” عدّة مؤلفات منها (الفراتي حياته وشعره للباحث الدكتور شاهر أمرير وكتاب الفراتي مأخوذاً بالوردة والسيف من إصدارات سلسلة كتاب الجيب عن اتحاد الكتّاب العرب).

 

ولم تنته رحلات “الفراتي” عند هذه الحدود، إنما سافر إلى السعودية وإيران ومصر وشارك في المهرجانات الشعرية العربية، وفي عام 1974 أُحيل إلى التقاعد من عمله في وزارة الثقافة، فيعود إلى مدينته دير الزور فيقضي بقية أيامه حتى مفارقته للحياة .

 

وتوفي الفراتي عن عمر ناهز مئة عام في 17 حزيران عام 1978، تاركاً آلاف القصائد الخالدة، وعدد من الدراسات الفلكية التي كتبها بعد سهر ليال وراء تلسكوبه الخاص الذي صمّمه بنفسه، إضافةً للوحاته الفنيةالمتعدّدة والتي زيّن بها منزله، إذ رسم على جميع جدرانه وقبابه. وفوق ذلك ترجماته لروائع الأدب الفارسي.

 

يُذكر أن الشاعر “الفراتي” كان من ضمن الطاقم التأسيسيّ الأول لوزارة الثقافة والإرشاد القومي كما كانت تسمى في ذلك الوقت، وعمل فيها قرابة عقد ونصف من الزمن بين عامَي 1959 و1974، وأمضى معظم هذه الفترة في الترجمة عن الفارسية، كما عمل خلالها أميناً للمكتبة الوطنية في ديرالزور.

 

ويعتبر الشاعر السوري محمد عطاالله العبود “الفراتي” أحد الأصوات الشعرية التي لم ينصفها الشعر وبقي شخصية مغمورة رغم الإنجازات التي حققها عبر رحلة طويلة قطعها من مدينته ديرالزور مروراً بحلب التي تلقى فيها التعليم إلى بيروت ومنها إلى القاهرة.

 

حلا المشهور – تلفزيون الخبر – ديرالزور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى