24 عاماً على تحرير الجنوب.. بداية حصاد النصر
لم يعلق في رأسي من فترة طفولتي سوى مشهد اندحار جنود الاحتلال الصهيوني عبر “بوابة فاطمة” في الجنوب اللبناني هرباً من الأهالي المُنتفضين تحريراً لأرضهم، كان مشهداً لن يضاهيه جمالاً سوى مشهد تحرير الجولان وكامل فلسطين المحتلة.
كان مشهداً غير مفهوم لطفل سوري بعمر 8 سنوات، لكنه كان يفعل فعل الكهرباء لحظة مرورها بالجسم خصوصاً مع عرض المشاهد على كلمات أغنية الفنان اللبناني معين شريف “لازم تعرف يا محتل.. أنت مين ونحنا مين.. نحنا هيهات من الذل وأنت للذل عناوين”.
“بداية الحكاية” (عملية الليطاني)
نفّذت قوات الاحتلال في 14 أذار 1978 عملية برية على جنوب لبنان، احتلت خلالها الأراضي حتى نهر الليطاني تحت حجة إزاحة المقاومين الفلسطينيين من الشريط الحدودي.
وسيطر الاحتلال على هذه المناطق لمدة 3 أشهر وانسحب بعدها إلى الحدود الدولية، تاركاً خلفه حليفه من المرتزقة المتعاونين معه “جيش لبنان الجنوبي”.
“اجتياح لبنان”
كان الوضع يغلي في لبنان بداية عام 1982، فنيران الحرب الأهلية بين الفرقاء الداخليين من جهة، والتوتر المتصاعد بين الاحتلال ومرتزقته على الشريط الحدودي وبين القوات الفلسطينية والسورية من جهة أُخرى.
ووقع ما بين 21 نيسان و5 حزيران 1982 قصف متبادل بين الاحتلال والقوات الفلسطينية التي حاولت اغتيال السفير الصهيوني في بريطانيا، ما دفع قوات الاحتلال مساء 5 حزيران لبدء عمليات قصف جوي على صيدا والنبطية وقلعة شقيف، تلى ذلك هجوماً برياً بذريعة حماية الحدود وابعاد خطر “الكاتيوشا” الفلسطينية.
وازدادت مطالب الاحتلال صبيحة 6 حزيران، حيث أعلن الناطق الرسمي باسم حكومته: أن الحل لإيقاف العمليات يكون عبر “إجلاء كل القوات الغريبة عن لبنان، ومن ضمن ذلك الجيش السوري، وتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، ومساعدة القوات اللبنانية للسيطرة على بيروت، وتنصيبها كحكومة لبنانية، وتوقيع اتفاقية سلام معها وضمان أمن المستوطنات الشمالية”.
وتقدمت قوات الاحتلال على عدة محاور تجاه بيروت، مع وجود مقاومة شديدة من قبل المقاومين من لبنان وسوريا وفلسطين خصوصاً في قلعة شقيف التي سُجل فيها معارك مشرفة.
“معارك بيروت والتعاون السوري اللبناني الفلسطيني”
في 9 حزيران وصلت قوات الاحتلال إلى مشارف بيروت بدعم الكتائب المتطرفة اللبنانية، وذلك تحت ظلال معارك جوية طاحنة بين الطيران السوري والصهيوني، وانتهى الأمر صبيحة 14 حزيران بسقوط القسم الشرقي من بيروت بيد الاحتلال.
وعبث الاحتلال بالقرار السياسي اللبناني وجهز بيئة أوصل من خلاله حليفه بشير الجميل لسدة الحكم في لبنان، لكن قبل أيام من تسلمه لمنصبه تم اغتياله على يد المقاوم حبيب الشرتوني، وتسلم بعد ذلك في نهاية أيلول 1982 أخيه أمين الجميل رئاسة لبنان.
وفي منتصف تموز 1982 حاصرت قوات الاحتلال ومرتزقتها بيروت لمدة 76 يوماً، معززةً ذلك بعمليات إجرامية عبر الجو والبحر والأرض مدعومة بغطاء أميركي، حيث ارتكبت أفظع الجرائم الانسانية ومنها مجزرة “صبرا وشاتيلا” في 13 أيلول 1982.
واشتعلت خلال الحصار مقاومة أسطورية سطرها المقاومين من الجيش السوري والفدائيين الفلسطينيين واللبنانيين من مختلف التيارات، منعت الاحتلال من السيطرة على كامل بيروت رغم كل ما قام به من مجازر، كما شهدت هذه الفترة الظهور الأول لمقاتلي “حزب الله” في معارك علنية مع جنود الاحتلال.
“التنسيق السوري اللبناني في مواجهة الصهيوني والأميركي”
نتيجة التدخل السافر للقوات الأميركية لجانب كيان الاحتلال، بدأت عمليات القنص والاغتيال بحق الجنود الأميركان، وذلك عن طريق مقاومين لبنانيين مدعومين سورياً إلى أن قامت عمليات تفجير السفارة الأميركية في بيروت، وتفجير قوات المارينز والقوات الفرنسية، الأمر الذي دفع الأميركي للانسحاب عسكرياً بشكل تدريجي من لبنان.
وحاول بعض المرتزقة اللبنانيين توقيع اتفاق سلام مع الاحتلال في 17 أيار 1983 المعروف بـ”اتفاق الاذعان”، لكن نتيجة التنسيق العالي بين القيادة السورية والمقاومين اللبنانيين تم إسقاط الاتفاق بشكل كُلي واستمرار عمليات المقاومة ضد الاحتلال.
“العمليات الفدائية ودور حزب الله”
اتبعت المقاومة اللبنانية سياسة حرب العصابات في مواجهة قوات الاحتلال، إضافة لتنفيذ عمليات استشهادية ضده، حيث تبنت هذه العمليات عدة جهات من مختلف التيارات كعمليات الفدائيين سناء محيدلي، وابتسام حرب، ووجدي الصايغ، وعملية “الطائرات الشراعية”.
وحملت المقاومة الاسلامية في لبنان “حز*ب ال*له” لواء الدفاع عن الجنوب اللبناني من منتصف الثمانينات حتى التحرير، حيث أذاقت قوات الاحتلال الويل بعملياتها الاستشهادية واقتحام الحصون والاغتيالات وخطف الرهائن وذلك بتنسيق عالي المستوى مع القيادة السورية.
وحاول الاحتلال في نيسان 1996 القيام بعملية اجتياح جديدة، حيث استمرت المعارك بين الاحتلال و”حزب الله” لمدة 16 يوماً ارتكب خلالها العدو “مجزرة قانا” وغيرها من المجازر لكن ذلك لم يساعده في تنفيذ مخططه، حيث فشلت العملية بفضل عمليات المقاومة والحراك الدولي السياسي الذي قادته سوريا لإيقاف العدوان الذي عُرف بعملية “عناقيد الغضب”.
واستمرت عمليات المقاومة حتى تاريخ 25 أيار 2000، حينما خرج أخر جندي صهيوني من على تراب الجنوب جاراً خلفه سنوات من الوجع والذل على يد المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، ليتحرر الجنوب في مشهد درامي جمع الأهالي أمام “بوابة فاطمة” على الشريط الحدودي وهم يهاجمون أخر الجنود المنسحبين.
ووجّه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله خلال احتفال النصر (احتفال بيت العنكبوت) الشكر لسوريا قيادةً وشعباً وجيشاً معتبرهم أصحاب النصر وشركاء فيه.
ولم تنتهِ عمليات المقاومة وحليفتها سوريا ضد الاحتلال حيث سطر الحلف نصراً كبيراً في تموز 2006 حينما حاول العدو تكرار اجتياح لبنان.
وتكرر التعاون على الأرض السورية منذ بداية الحرب على سوريا، حيث وقفت المقاومة اللبنانية إلى جانب سوريا، وقدمت الدعم السياسي والعسكري، وبذلت الدماء رفقة الجيش السوري في عملية رد دين ووفاء لما قام به الجيش السوري وما قدمه من شهداء فداءً لحرية لبنان واستقلاله.
ومنذ بداية العدوان الصهيوني على غزة في 8 تشرين الأول 2023 تكاتفت جميع الساحات دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني، حيث اختلط الدم السوري واللبناني والفلسطيني والعراقي واليمني دفاعاً عن فلسطين في وجه أعنف حرب شُنت على شعب في التاريخ الحديث، وسط دعم غربي غير مسبوق للكيان وصمت دولي تام أمام جرائمه.
يذكر أن كل ما في الجنوب جميل بدايةً من جنوب لبنان، مروراً بجنوب سوريا الجولان، حتى كل فلسطين المحتلة، حيث لا يوجد اختصار جمالي له سوى كلمات الشاعر السوري الراحل عمر الفرا “جنوبي الهوى قلبي وما أحل
اه أن يغدو هوى قلبي جنوبيا”.
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر