العناوين الرئيسيةمن كل شارع

حرفنا التراثية تندثر والصناعة تستنفر “بلجان” وزارية

تُشكل الصناعات الحرفية المدخل الأساس لفهم عالم الصناعة في أي بلد، لما تعكسه من بعد حضاري وصناعي يوحي بتاريخ هذا البلد، وتجذره في العمل الصناعي عبر التاريخ، الأمر الذي يؤكد أن صناعاته متينة وأصيلة.

 

وإذا ما قررنا تلمّس طريق الصناعة السورية، فعلينا الدخول من بابها المتمثل بالحرف التراثية الأصلية التي اشتهر فيها السوريون عبر التاريخ، كصناعة الزجاج التي تعود لأكثر من 3 آلاف عام، ومثيلتها في القيشاني، وصناعة صابون الغار، ودبغ الجلود، وغيرها من المهن التي تؤكد عراقة سوريا في عالم الصناعة.

 

وبطبيعة الحال، كان للقطاع الصناعي وتحديداً الصناعات اليدوية، نصيب الأسد من الضرر الذي أصاب القطاعات الحيوية بفعل الحرب، فعلى سبيل المثال لا الحصر واستناداً على تقارير إعلامية، تعرضت صناعة الزجاج الدمشقي لانتكاسة كبيرة بعد وصول عدد مشاغل الزجاج قبل 2011 لـ 17 مشغلاً لم يبق اليوم سوى مشغل واحد.

 

وفي النظر لصناعة صابون الغار كانت حلب تضم قبل الحرب 100 ورشة لصناعة الصابون مع عودة 5 مصابن فقط بعد 2016، وكان الإنتاج يصل لأكثر من 30 ألف طناً في حين اليوم يقارب النصف.

 

أما صنعة دباغة الجلود التي اشتهرت فيها سوريا عالمياً منذ قرون، امتلكت دمشق وحدها 240 دباغة قبل الحرب، أما اليوم العدد يناهز 100، وقياساً على العدد الكُلي توقفت 80% من الدباغات بعموم سوريا وتراجع الإنتاج بحوالي 90%.

 

وبفعل الأيادي السورية تحولت الأردن لمركز دباغة كبير، على مستوى التصدير للخليج وإفريقيا وأوروبا، وذلك نتيجة هجرة الدباغين السوريين لعمان.

 

وقال عضو اللجنة المركزية لدعم الحرف “جوني غاربيان” في حديثه لتلفزيون الخبر إن “قطاع الحرف التراثية التقليدية اليدوية مرتبط ارتباطاً كلياً بالسياحة والمعارض الداخلية والخارجية، فمن الطبيعي أن يتأثر بالأزمة التي عصفت بالبلد بكل مجالاتها، أصبح لدينا خلل في تأمين المواد الأولية ومصادر الطاقة، إضافة لانخفاض عدد الحرفيين والممارسين”.

 

وتابع “غاربيان” أن “الحرف الأكثر تأثراً هي التي كان ممارسيها قلائل قبل الأزمة، والحرف التي تعتمد بشكل كُلي على مصادر الطاقة، مثل اعتماد أفران الزجاج الكلي على مادة المازوت والصناعات الخزفية اعتمادها الكلي على الأفران الكهربائية مثل القيشاني الدمشقي، وهنا نشير إلى أن مازال هناك حرفيين مستمرين بإنتاج هذا النوع من العمل”.

 

وأكمل “غاربيان” أن “إجمالاً قطاع الحرف التراثية التقليدية اليدوية مهدد بالاندثار، لأننا نتحدث عما يقارب 50 حرفة تراثية بمقابل ممارسين قلائل، وبسبب الحاجة الملحة لاستدراك هذا الوضع، شُكلت لجنة مركزية في وزارة الصناعة (لجنة دعم الحرف) تضم وزارة الصناعة والثقافة والسياحة والشؤون الاجتماعية والأمانة السورية للتنمية ووثيقة وطن والاتحاد العام للحرفين”.

 

وتهدف هذه اللجنة، بحسب “غاربيان”، إلى بحث وإيجاد سبل الدعم والحماية لهذا القطاع ابتداء من تصنيفها وفرزها كحرفة وحرفي، وصولاً لوضع ضوابط وقوانين للتعليم والتدريب وإنشاء مراكز وحواضن خاصة بالحرف التراثية التقليدية اليدوية.

 

وأضاف “بالنسبة للإحصائيات تم اتفاق جميع الأطراف في لجنة دعم الحرف على بداية العمل لإنشاء قاعدة بيانات سليمة كاملة وشاملة للحرفة والحرفي”.

 

وتابع “بدأ العمل من مدينة دمشق وريفها وصولاً لكافة المحافظات الأخرى معنية بتوثيق وتسجيل وأرشفة كل ما يتعلق بالحرفة والحرفي وبآلية تنفيذ سليمة مع مراعاة خصوصية كل محافظة، وهنا يصبح لدينا إحصائية دقيقة لكل قطاع الحرف مع ممارسيها موثقة بكل الوزارات والجهات المعنية بهذا القطاع”.

 

وعن الحلول، تحدث “غاربيان” أن “دعم الحرف المهددة بالاندثار وبداية العمل على حمايتها لا يكمل إلا بإنشاء جيل شاب متمكن عارف بخفايا وتفاصيل الحرف وهذا بحاجة أصحاب الخبرة المتبقين، بحيث يكون إعادة ترميم ما تبقى في قطاع الحرف على يد الجيل الشاب السوري”.

 

وأردف “هنا قامت وزارة الصناعة بمبادرة إقامة الدورات المعنية بالحرف التراثية التقليدية اليدوية منذ عام وأطلقتها مجاناً بالكامل، وتم نخب مجموعة من المتفوقين وهم حالياً يمارسون هذه الأعمال ومستمرين بها في المقر الثابت لإقامة هذه الدورات والتدريبات”.

 

وختم “غاربيان” حديثه لتلفزيون الخبر “الآن وزارة الصناعة ولجنة دعم الحرف بصدد الإعلان عن الدورة التدريبية المجانية رقم 2 والتي تضم أيضا نخبة من الحرف التراثية التقليدية اليدوية لاستمرار هذا المسار وتوسيعه في المراحل المقبلة”.

 

يذكر أن الصناعي السوري، ومعه الجهات الرسمية، أمام تحدٍ تاريخي للمحافظة على وديعة الأجداد الصناعية لنا.

 

حيث قدّم السوري قبل ألاف السنين للعالم الزجاج، وطرز الجمال بالقيشاني، وعبر غمار البحر بأول سفينة خشبية في التاريخ من شواطئ طرطوس قبل 3500 عاماً، ونقل بهذا وذاك إلى العالم الأبجدية والحرف والعلوم والفنون والصناعات التي باتت كلها مهددة بفعل تبعات الحرب لاسيما الاقتصادية منها.

جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى