العناوين الرئيسيةفلسطين

من مخيم اليرموك إلى نهر البارد وكذبة إعادة الإعمار

في العام 2007، تعرض مخيم نهر البارد في لبنان إلى دمار واسع في عمارته وبنيته التحتية، على إثر العملية العسكرية التي شنها الجيش اللبناني للقضاء على بعض الخلايا الإرهابية التي استعملت المخيم كدريئة لها في مواجهة الدولة اللبنانية. دفع اللاجئون الفلسطينيون في المخيم يومها فاتورة كبيرة من ممتلكاتهم المتهالكة أصلاً بسبب تشدد السلطات اللبنانية في تضييقها على اللاجئين الفلسطينيين.

ومنذ ذلك الحين، وحتى اليوم، وعلى الرغم من جميع الحملات والوعود بإعادة إعمار المخيم، فإن آثار ما حصل في تلك العملية العسكرية يومها لا يزال جاثماً على صدور الفلسطينيين بدون أن يروا ليرة واحدة من المبالغ التي وعد كثيرون برصدها لإعادة الإعمار، حتى بعد مرور سبع عشرة سنة على نكبتهم الثانية في المخيم.

وفي العام 2012، تكرر الأمر مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، عندما سقط المخيم في يد المجموعات الإرهابية التي حاربت الدولة السورية، فعانى الفلسطينيون مرة أخرة مرارة النزوح إلى الأماكن الآمنة في العاصمة دمشق وما حولها، ومنهم من بقي تحت الحصار في المخيم، إلى حين بدأت العملية العسكرية لتحرير المخيم، فلحق بمخيم اليرموك دمار هائل، واليوم يكاد لا يوجد بيت لم يلحق به الضرر سواء من العمليات العسكرية في مواجهة المجموعات الإرهابية، أو من النهب الذي لحق بها فيما بعد، مع الأخذ بعين الاعتبار، كبر مساحة مخيم اليرموك بالمقارنة مع مخيم نهر البارد واكتظاظه بالسكان قبل الحرب ومكانته الاقتصادية المهمة بالنسبة للعاصمة دمشق.

ومنذ تحرير مخيم اليرموك من العناصر الإرهابية التي تمركزت به طوال سنوات وحتى اليوم، لا تزال حركة إعادة إعمار المخيم تجري ببطء شديد، بالمقارنة أيضاً مع غيره من الأحياء التي تعرضت لما تعرض له مخيم اليرموك من تدمير واسع وممنهج في الممتلكات والدوائر والبنية التحتية.

أمام هذا التحدي الكبير، المتمثل في إعادة إعمار مخيم اليرموك، يفرض السؤال الأهم نفسه مع كل خطوة نفكر أن نخطيها بهذا الاتجاه، وهذا السؤال هو، من هي الجهة المسؤولة عن إعادة إعمار مخيم اليرموك؟

هل الدولة السورية هي المسؤولة؟

من وجهة نظر سيادية وبناء على ضرورات العقد الاجتماعي، فإن الدولة تكون مسؤولة عن تعويض مواطنيها ورعاياها عن الدمار الذي لحق بممتلكاتهم، تماماً مثل مسؤوليتها عن حمايتهم ومحاربة الإرهابيين لضمان أمنهم، هذه المسألة من تعتبر من البديهيات، ولكن هل ينطبق الأمر ذاته على مخيمات اللاجئين؟

ففي سنوات ما قبل الحرب، ومنذ تأسس مخيم اليرموك، حرصت الدولة على إكسابه خصوصية تتناسب مع وضعه كمكان تجمع فيه لاجئون فلسطينيون، لأجل ذلك شرعت الدولة وجود اللجنة المحلية لمخيم اليرموك التي كانت تقوم مقام البلدية في بقية أحياء المدينة، هذه اللجنة التي كانت تسيّر أعمال المخيم وتنظمه من كل النواحي تقريباً، ولم يوفر اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك الفرصة للتعبير عن تمسكهم بهذه اللجنة واعترضوا بشدة عندما قررت محافظة مدينة دمشق حلّ اللجنة وتأسيس بلدية جديدة للمخيم مثلها مثل أية بلدية أخرى في الأحياء تتبع لمحافظة دمشق، تذمر البعض على تداول تسمية المخيم بحي “اليرموك الدمشقي” لما في ذلك من نزع لخصوصية المخيم. وهو أمر من حيث الشكل يعتبر مفهوماً ولكن ليس محققاً بالضرورة ولكن ألا يعني هذا الإجراء أن مسؤولية إعادة إعمار المخيم في هذه الحال قد أصبحت على عاتق محافظة مدينة دمشق وأنها تتعامل معه مثلما تعاملت مع بقية الأحياء المدمرة، وهل يعني ذلك أن محاولة محافظة دمشق المساهمة في الحضور في المخيم من خلال تسيير الحافلات وفتح خطوط المواصلات العامة وبعض أكشاك الخبز وبعض التعهدات لإصلاح شبكة المياه والكهرباء في المخيم تصب في هذا السياق، أليس من الأفضل بالفعل اعتبار لضرورات إعادة الإعمار أن يكون المخيم بلدية من بلديات محافظة دمشق وهذا الأمر سيفتح الباب أمام دخول بقية منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للعمل في المخيم وبالتالي الخروج من حصرية تدخل الأونروا وهي الذريعة التي كانت الوكالات والمنظمات الدولية تتذرع بها لتجنب الدخول إلى المخيم وبالتالي حرمانه من فرص إعادة الإعمار والترميم؟ إن محافظة دمشق تعمل مشكورة كما هو متوجب عليها ضمن إمكاناتها المحدودة والتي هي بذات الوقت انعكاس للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد بشكل عام ومع ذلك أصدرت مخططاً تنظيمياً للمخيم ثم أوقفت العمل بالمخطط التنظيمي بعد الاعتراضات الواسعة عليه وكل هذا إن دل فإنه يدل على تعاون كامل وفهم عميق لخصوصية مخيم اليرموك ونريد منها أكثر من ذلك بالطبع ولكن حصلت سابقاً ، إضافة إلى تدخلات بعض الفصائل ومحسوبياتها خصوصاً أن بلدية اليرموك ستريحنا من حسابات وصراعات التمثيل الفصائلي الفلسطيني في اللجنة المحلية فيما لو عادت كما ينادي البعض.

هل تقع مسؤولية إعادة إعمار المخيم على عاتق الأونروا؟

بحسب البيان الذي نشرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على موقعها الرسمي، فإن مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد، الذي يشكل أضخم مشروع إعادة إعمار في تاريخ الوكالة قد وصلت كلفته إلى 345 مليون دولار أميركي، وقد تم إنجاز ما يمثل 54% من المشروع حتى العام 2017 وأن هناك عجزاً في تمويل المشروع قدره 106 ملايين دولار أميركي، هذه البيانات تتعلق بمشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد الذي يشكل شارعاً صغيراً في مخيم اليرموك وبعد عشرة سنوات على انطلاقه، فهل يمكننا حقاً الاعتماد على وكالة الأونروا لإعادة إعمار المخيم الضخم الذي ناهز عدد سكانه قبل خرابه مليون انسان؟ إن كان مخيماً صغيراً مثل مخيم نهر البارد قد استغرق من الوكالة عشر سنوات لتستطيع تنفذ نصف المشروع، فكم من العقود قد تحتاج الأونروا يا ترى حتى تكون قادرة على إعادة إعمار مخيم اليرموك وخصوصاً بعد الحرب الشعواء التي تشنها الماكينة الصهيونية الغربية عليها من كل حدب وصوب، واليوم يبدو أن الأونروا معنية فقط بترميم بعض مقراتها السابقة وهذا يعني أنها غير قادرة على ترميم هذه المقرات جميعها، لذلك أصبح من الضروري القيام بحملات مناصرة لدفع الوكالات والمنظمات الدولية لتحمل مسؤولياتها تجاه مخيم اليرموك والمشاركة في إعادة إعماره.

هل تقع مسؤولية إعادة إعمار مخيم اليرموك على منظمة التحرير؟

الممثل الوحيد ليكون شرعياً عليه أن يسهر على مصالح رعاياه وحمايتها وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم، ولكن في ذات الوقت، يكاد الأمل أن ينقطع من هذا الممثل الذي لا يتورع عن صرف ملايين الدولارات لتأمين مصاريف جيش من الأجهزة الأمنية المتفرغة لملاحقة هؤلاء الرعايا، أو لأجل التنسيق الأمني الذي لم يسلم منه البشر ولا الحجر، في المقابل هناك تجاهل شبه تام لاحتياجات هؤلاء الرعايا العاجلة والمحقة، حتى تاريخه لم ير اللاجئ الفلسطيني في سوريا من منظمة التحرير سوى منحة مالية زهيدة لدرجة مضحكة مبكية ولمرة واحدة، ومؤخراً كان هناك مساهمة يتيمة أيضة متمثلة في المشاركة في تنظيف الشارع الرئيسي في مخيم اليرموك من الركام.

وإذا افترضنا أن منظمة التحرير لا تملك المقومات التي تسمح لها بالانخراط في عملية إعادة إعمار مخيم اليرموك، ولكن هل يعني ذلك عدم قدرتها على تنظيم المؤتمرات والحملات لدى الدول المانحة لحثها على تمويل إعادة إعمار المخيم؟ هذه المنظمة التي تتمتع اليوم بعلاقات جيدة مع الكثير من الدول الغنية، ما الذي يمنعها من مخاطبتها وتقديم العروض لها للمساهمة في إعمار المخيم؟ هذا الأمر ينطبق على بقية الفصائل الفلسطينية بذات الطريقة، هل يكفي أن تقوم هذه المنظمات وفي مقدمها التنظيم الابرز في منظمة التحرير ” الفتح” بترميم بعض مقراتها لعقد اجتماعات أعضائها فيها؟ كيف استطاعت هذه الفصائل الضغط على حلفائها لدفعهم للمساهمة في إعادة الإعمار؟ هل تملك المنظمة بالفعل برنامجاً أو خطة وطنية لطريقة وخطوات إعادة إعمار المخيم وبقية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تدمرت خلال الحرب في سوريا؟
جل مانتمناه اليوم ممن رمم مكاتبه مكاتبه في المخيم بالحد الأدنى أن تتحول هذه المقرات من أماكن اجتماعات إلى مراكز تعمل على عناوين وطنية وخدمية لسكان المخيم على كافة المستويات

ما الذي يحتاجه اللاجئ الفلسطيني؟

بكل وضوح وصراحة، يدرك اللاجئون الفلسطينيون الأهمية الاستراتيجية والعمق التاريخي لمخيم اليرموك في العمل الوطني والنضال الفلسطيني لأجل استعادة الشعب الفلسطيني لأرضه وحقوقه، عاش الفلسطينيون في مخيم اليرموك تاريخاً حافلاً من الصراع مع العدو كانوا دائماً الصف الأول في هذا الصراع وخزانه البشري الذي مدّ الفصائل بالفدائيين والمفكرين والعلماء والمخترعين الذين كرسوا حياتهم وكل مقدراتهم لأجل خدمة القضية، يعلم اللاجئون الفلسطينيون اليوم خطورة تشتتهم الحاصل حالياً على البنية الفكرية أولاً للأجيال القادمة من أبنائهم، مخيم اليرموك أكبر بكثير من مجرد تجمع سكاني، بل هو مجتمع محارب بكل معنى الكلمة ولم يخف أبناؤه شعورهم بالمرارة والحسرة على عدم قدرتهم على المشاركة في معركة طوفان الأقصى بالشكل الذي كانوا يشاركون به في المعارك سابقاً.

ما يريده اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك اليوم، هو أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه أبناء شعبهم، كما أسلفنا من يريد أن يتحدث باسم الفلسطينيين عليه أن يكون حريصاً وساهراً على مصالحهم واحتياجاتهم، يريدون أن تساهم الأونروا في إعادة إعمار المدارس والمستوصفات، يريدون من الجميع الخروج من الفصائلية والحزبيات الضيقة والعمل معاً كمجموعة في وضع خطة وبرنامج حقيقي قابل للتنفيذ لإعادة الإعمار، يريد الفلسطينيون في مخيم اليرموك مواقف شجاعة فقد سئموا الوعود الرنانة، إذا أردتم أن تعرفوا اليوم ما يريده أبناء اليرموك عليكم أن تذهبوا لتسألوا امرأة عجوز هاجر أبناؤها مصدر الفرح ، ولم تزل تجلس في زاوية من زوايا بيتها أو تحت ركامه صامدة صابرة منتظرة تبحث عن بقية نور يضيء لها طريق الأمل.

محمد جلبوط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى