ماذا لو عاصر “ايحو” الكردي زمن “التريند” الحالي ؟
بجسده الضئيل وملامحه الغائرة، ونظارة تكاد لا تخفي علائم استغرابه من الكلام الموجه إليه، كناطق غير أصلي للغة العربية، طبع الممثل الراحل عبد الرحمن عيد أداءً خاصاً في ذاكرة الجمهور عبر شخصية “ايحو” على الرغم من رحلته القصيرة في الفن والحياة.
ومع رحيل “عيد” المفاجئ قبل نحو عقدين من الزمن، إلا أن الكثير من عباراته، ولوازمه الكلامية لا تزال متداولة على لسان جيل كامل، خاصة تلك المستوحاة من شخصية “ايحو الكردي” التي استثمر ظهوره فيها ضمن عدة مسرحيات.
لكن ماذا لو عاصر عبد الرحمن عيد زمن “التريند”؟.
لا يخفى على أي متابع للدراما السورية خلال السنوات الأخيرة مصابها بلوثة “التريند” التي حولت معيار نجاح العمل التلفزيوني إلى قدرته على التداول ضمن طوفان هائل من التعاطي على السوشال ميديا، عبر شخصيات صممت خصيصاً لهذا الغرض، على حساب مضمون الحكاية وصراعات أبطالها.
وتحولت معها هذه الشخصيات (كما الكثير من المفاصل الحياتية اليومية الأخرى) إلى سلعة استهلاكية قصيرة العمر، يحكى عنها وكأنها الشغل الشاغل للناس، وما أن ينتهي عرضها للمرة الأولى، يأكلها غبار النسيان، إلا استثناءات قليلة، يطول عمرها بحسب عمق تأثيرها ووصولها لشرائح كبيرة وواسعة.
وقدم “عيد” مشاركات محدودة في الدراما السورية (مثل بقعة ضوء، اخوة التراب، الكواسر) إذا ما تمت مقارنتها بتلك التي قدمها على خشبة المسرح، سواء التي قام بتأليفها وإخراجها، أو المشاركة بها كممثل مع فرق مسرحية أخرى نشطت بداية الألفية، وحققت شهرتها بما قدمته من كوميديا شعبية سياسية ناقدة، مثلت جزءاً من واقع سوريا حينها، والمواطن العربي بشكل عام.
ولاقت هذه الأعمال جماهيرية كبيرة لا تتناسب مع جمهور المسرح في سوريا الضئيل نسبياً إذا ما قورن بجمهور الدراما السورية وسعة انتشارها، وتخطت هذه الأعمال في شيوعها عروض المسرح وانتشرت عبر تسجيلات الـDVD و الـCD حينها.
ولعل أشهر تلك الشخصيات هي “ايحو” الرجل السوري البسيط المنحدر من أصول كردية، يتحدث العربية بركاكة أضافت على سلوكياته طابعاً من الكوميديا على اختلاف الأدوار التي تمت تأديتها من خلالها، فتارة كان “ايحو” مساعداً في الشرطة، وتارة أخرى تلميذاً، أو مواطناً يعايش مشكلة ما، وغيرها من الحوادث والطرائف التي مر بها.
وعاود “عيد” الظهور بشخصية “ايحو” في أعمال عديدة وارتبط بها حد الالتصاق، إلا أنه نجا بموهبته من الوقوع في فخ التكرار، وتمكن من تخليدها كشخصية لم تمر مروراً سريع الانقراض حتى بعد غيابه الطويل.
فلا تزال عبارات “عيبَ لو”، “ما بيعرف.. ليش ما بيعرف؟!”، شلونك عيني شلونك.. شقد نمرة تلفونك؟”، حاضرة ومتداولة في أحاديث سورية عديدة، ولمات عائلية، بين أفراد شاهدوا وتابعوا تلك الشخصية، حتى وإن نسيت هذه اللوازم أساساً لماذا وأين ومتى قيلت.
قد تختلف أسباب بقاء شخصية “ايحو” حية إلى يومنا هذا، فلربما كان لزمان ظهورها دور بذلك، أو ترجع لعوامل مهنية أخرى، من تعابيرها الجسدية، ولغتها، أو المواقف التي مرت بها، أو لعله إبداع في خلقها أساساً من تواصل قريب مع الشارع بعيد عن الابتذال السفيه بغرض الإضحاك، أو التصنيع المركب لفرض الانتشار، أو أن أمرها كله محض صدفة في مجال يكون الحظ فيه أحياناً عاملاً للنجاح.
لكن المؤكد اختلافها عن شخصيات “التريند” المصممة اليوم مسبقاً لهذا الغرض، بالرغم من نفي صناعها الدائم لهذا الأمر، لكنها وإن كان من غير إرادة تامة، تماشت مع متطلبات فرضها التطور الحالي ليس فقط في المجال الفني، بل باختصاصات مهنية أخرى عديدة، فباتت تستغل الدعاية والتسويق من جهة، والـ”Reels” والـ”Short” من جهة أخرى، عدا عن تصوير الكواليس، وابتكار أغنيات مفرغة المضمون تكرر وتكرر اسماء الأعمال والشخصيات، يؤديها مغنون نشأوا بطريقة مشابهة.
كذلك لم تستغل العاهات الجسدية لطباعة صورة مغايرة، أو التعاون مع منصات العرض الجماهيرية، والجوائز والمعارض التي باتت تكرس هذه الشخصيات، كنموذج للفن الناجح.
ترى، لو ظهر “ايحو” في عصر “التريند”، وخرج على الجمهور من شاشة التلفزيون، ومواقع التواصل، والإعلانات ومن كل الجهات الأخرى الممكنة، ليلاً ونهاراً، ووجد خلفه جيشاً من المدافعين عنه حد الاستماتة، لدرجة اعتبار عدم الإعجاب به ضرباً من ضروب الشذوذ، لكان حقق ما حققه طيلة هذه السنوات، او اكتفى بالقول “عيبَ لو”!.
لين السعدي – تلفزيون الخبر
تحية إلى روح الراحل المبدع عبد الرحمن عيد