اقتصادالعناوين الرئيسية

الموظف الحكومي بين الأمس واليوم .. “قول للزمان إرجع يا زمان”

‘وظيفة لقطة، نيالك توظفتي، مجنون بدك تسافر بعد ما إجتك الوظيفة”، هذه الجمل وأكثر، لم تكن ضرباً من ضروب الخيال، بل كانت التعبير الوحيد عن حالة الإعجاب و”الحسد” لمن يبتسم له الزمن ويُعيّن في وظيفة حكومية في سوريا، وذلك حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي، حيث وصل راتب الموظف لـ 250 ليرة في وقت كان سعر غرام الذهب 4.5 ليرة.

 

يقول أبو محمد (متقاعد من مؤسسة كهرباء دمشق) لتلفزيون الخبر: “كانت الوظيفة الحكومية في عصرنا فرصة العمر، فكان الراتب يصلح لأن يُوفر منه بقصد شراء منزل، إن لم يكن ضمن العاصمة ففي أطرافها، عدا عن إتاحته فرصة التنزه والتمتع بجمال البلاد”.

 

وتابع أبو محمد حديثه: “كانت الليرة أقوى من الدولار، لم يكن هناك أحد سواء موظف عام أو خاص يهتم لسعر تصريف الدولار، أو يعتمده كمرجع لتخزين المقتنيات، فالسوري كان يثق إما بالعقار أو بالذهب، والراتب كان يوفر باقتناء أحدهما”.

 

وعلى الرغم من الأزمات التي عصفت بالبلاد، منذ نهاية 1982 حتى ما قبل اندلاع الحرب على سوريا 2011، فقد حافظ الموظف الحكومي على بعض “بريستيجه” مقارنةً بموظفي القطاع الخاص، ووصل الراتب في 2010 عند بدء التعيين لحامل الشهادة الجامعية، إلى حوالي 10 آلاف ليرة ما يعادل 200 دولار، وفي المتوسط لحوالي 20 ألف وهو ما يعادل 400 دولار.

 

ويشرح محمد ديب (مدرس رياضيات من حمص) لتلفزيون الخبر، كيف كان قرار التعيين الذي تبلغه في 2010 حدثاً فارقاً في حياته “ذاك الوقت كان الحماس في أوجه، خريجٌ جديد، في بلد يشق طريقه نحو النجاح والتطور والاستقرار، والرغبة عالية في ترجمة ما تعلمناه في الجامعة ونقله للطلاب الجدد”.

 

وتابع المدرس: “10 ألاف ليرة راتب بداية التعيين، كان ممتازاً لخريج جديد أعزب، ويتيح له الفرصة للاكتفاء الذاتي ومساعدة الأهل ولو قليلاً، أما في حال الرغبة بالزواج، فكان يمكن التسجيل على مشروع سكني ودفع أقساطه مع بعض التقنين، أو استئجار منزل في أحد أحياء دمشق ومحيطها، حتى السيارة كانت متاحة بالتقسيط، في النهاية كان الحلم مازال متاحاً على عكس اليوم”.

 

ومنذ منتصف آذار 2011، بدأ المنحنى البياني لجودة الراتب وقيمته الشرائية بالانخفاض، شهراً بعد شهر، مع تأثر البلاد بتداعيات الحرب، ومع اقترابنا من نهاية الربع الأول من 2024، بلغ متوسط راتب الموظف الحكومي، بعد جمع وطرح وتقسيم جميع الزيادات والعلاوات والحوافز وضم سنين الخدمة، حوالي 400 ألف ليرة، مع وصول سعر غرام الذهب إلى 971 ألف ليرة، وسعر صرف الدولار الرسمي ل 13500 ليرة.

 

“كلمة الله يعينكم بتدبحني”، بهذه الكلمات عبر عصام (موظف حكومي) خلال حديثه مع تلفزيون الخبر، عن تأثره بنظرة الشفقة التي يرمقها به السائل عن مهنته.

 

“كل ما قول لحدا موظف بحسو بدو يضحك أو يزعل وهالشي بيدبح والأسوأ لما يحسدونا على زيادات الرواتب، كل ما يزيدوا الراتب بترتفع الأسعار عشر أضعاف، قام مننحرم من قصص أكتر لا بقى تزيدوا بس سيطروا على السعر”، يتابع عصام.

 

ويضيف عصام: “سابقاً كان للموظف هيبة ومكانة اجتماعية، اليوم هو محط تنمر، فالراتب الذي لا يمكّنك من شراء 2 كيلو لحمة كيف له أن يجعلك توفر منه لشراء منزل في إحدى الضواحي بأقصى البلد خصوصاً وأن أسعار العقارات ركبة موجة الصعود إلى لا رجعة”.

 

ويكاد لا يمر شهر، دون أن يُتحف الناس بقرارات “تحديد” أسعار بعض المنتجات الأساسية، “بمقدار يتناسب مع الراتب لاسيما لأصحاب الدخل المحدود”، بحسب المعنيين، حتى بات هؤلاء لا يملكون القدرة على تأمين مكونات وجبة غذائية واحدة على مدار الشهر، من مراكز السورية للتجارة.

 

وإذا أرادت عائلة مكونة من 4 أشخاص يرعاها موظف حكومي، اعتماد وجبة طعام واحدة فقط في اليوم على مدار الشهر، وهي “المقالي”، ولتكن مؤلفة من كيلو البطاطا ومثله من الكوسا والزهرة، فإن تكلفتها وفق أسعار السورية للتجارة بتاريخ 17 نيسان 2024 في مراكز دمشق، 20 ألف ليرة إذا كانت نوع أول و16 ألف نوع ثاني.

 

أي مجموعها على مدار 30 يوماً، ما بين 480 و600 ألف ليرة، وذلك دون الاهتمام بتكلفة الزيت والغاز، أو في حال وجود وجبات غذائية أُخرى في اليوم، أو احتياجات أساسية مختلفة، ما يعني أن متوسط راتب الموظف الحكومي الحالي، لا يغطيه لتأمين وجبة غذاء واحدة ويشمل 70% من الشهر وليس كله ومن السورية للتجارة.

 

وحولت الحرب على البلاد الموظف من مواطن يملك القدرة على الحلم رغم كل المصاعب التي كانت قبل أذار 2011 إلى مواطن يائس يبحث عن قوت يومه تحت مظلة قانون “قيصر” من جهة، وسرقة خيرات البلاد في الشمال والشرق بفعل الاحتلالات من جهة أُخرى، عدا عن الإدارة المربكة للملف الاقتصادي الداخلي الذي يؤثر بحياة السوريين اليومية، ولا ينتج حلولاً جذرية.

 

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى