“ريحان الموتى”.. عطر خاص يفوح في ذكرى الأحبة الراحلين
توضب أم رامي الريحان في يوم وقفة عيد الفطر، تقسمه على شكل حزم صغيرة منظمة لتوزعها على قبر والديها في مقبرة الفردوس بمدينة حمص.
فرحيلهما منذ عشرات السنين لم يمحُ ذكراهما من عقل السبعينية، وهما من كانا الدنيا وما فيها، وما يزال صوتهما يجول في ذهنها كل يوم وكأن الزمن لم يمض طوال السنوات الماضية، تضيف أم رامي لتلفزيون الخبر.
وكما كل عام وما قبل “جهجهة الضو”، تتوجه أم رامي رفقة أخواتها إلى المقبرة الموجودة في حي الأرمن، لتضع الريحان وتقرأ بعضاً من الآيات القرآنية على روح والديها في تعبير عن الشوق الذي لم ولن ينطفئ، بحسب تعبيرها.
وبالقرب من مدخل المقبرة، افترش رجل خمسيني زاوية على الرصيف المؤدي إلى آخر خط الأرمن، يبيع حزم الريحان للزائرين، وما أكثرهم في تقليد سنوي لم يتوقف حتى في أقسى سنوات الحرب على المدينة، حسب قوله.
وأضاف أبو علي لتلفزيون الخبر: “لا يتجاوز سعر باقة الريحان الصغيرة 2500 ليرة وتصل إلى 10 آلاف للأحجام الكبيرة، وأقوم بجمعها من أراضي قريتي بريق حمص الغربي، بينما يعد الريحان الصافتلي أشهر الأنواع لأن عطره يدوم لساعات طويلة، لكن تكلفة نقله في ظل الغلاء الراهن جعلت تأمينه أصعب مما كان في السابق”.
ولا يخفي “أبو علي” تحول الريحان من غرسة ذات دلالة روحية ونفسية إلى تجارة متفردة بحد ذاتها، فتجد البائعين وقد افترشوا الدوارات والأرصفة قبل عدة أيام من العيد، كونها مصدر رزق مؤقت لعدة أيام فقط.
ويشير تعبير (تشك الآسي) أو الريحان في معظم اللهجات السورية، إلى شدة حب المتكلم للمخاطب، والشرح الدقيق لكلمة آسي أي ورد الآس وهي الورود التي توضع على القبر، وتشك الآسي يعني تضع الورد على قبري ويدل على الرغبة في الموت قبل الحبيب، كما يعتبر من أهم الرموز المعبرة عن محبة الأهل ووفائهم لموتاهم عند زيارتهم قبورهم.
وحظي نبات “الريحان” أو “الآس” قديماً بمكانة مرموقة لدى العديد من شعوب العالم، ومنهم الرومان اللذين قدسوا زهرته كما ترمز عند اليونان إلى النصر، أما عند المسلمين فيحظى الريحان بقيمة روحية حيث يوضع أو يزرع فوق القبور كرمز للرحمة.
وذكر الريحان كثيراً في الموروث الشعبي من خلال الأشعار والأمثال والأغاني الشعبية منها مقولة “تشكلي آسي” وعبارة “عودك ياعود الريحان” كناية عن الشباب الدائم والحياة ومقولة “الجبانة بلا آس ما بتنداس”.
وما تزال مدينة حمص تعيش طقوس “خميس الأموات” أو ” خميس الحلاوة” وهو تقليد سنوي يشتري فيه الناس فيه مختلف أنواع الحلويات ويخرجون بها بعد ظهر الخميس إلى الجبانة (المقبرة) مع باقات الريحان وتوزع الحلوى على الفقراء والمحتاجين.
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر