العناوين الرئيسيةعلوم وتكنولوجيا

انتقادات طبية وحقوقية حول بيان سعودي يعتبر الراغبين بالعبور جنسياً “مرضى نفسياً”

أثارت بنود بيان صادر عن مركز رسمي سعودي بشأن “ضوابط” التعامل مع “اضطراب الهوية الجنسية”، موجة واسعة من الانتقادات من قبل ناشطين، معتبرين أنه يروّج لـ”مغالطات عديدة” في تناول قضايا الجندر والهوية الجنسية.

وخرج مركز تعزيز الصحة النفسية الحكومي، ببيان قدّم فيه توصيات للتعامل مع ما اعتبره “اضطراب الهوية الجنسية”، قائلاً إن الرغبة في العبور الجنسي “مرضاً” يستدعي علاجاً نفسياً، فيما تلاحق الرياض مؤاخذات حقوقية بشأن وضع الحريات الفردية والجنسية في البلاد.

ورأى المتحدث باسم منظمة “ألوان” المعنية بحقوق المثليين في دول الخليج العربي، “طارق بن عزيز”، أن البيان جاء بـ”مغالطات عديدة، وكأنه ينتمي لزمن مضى”، بحسب ما أفاد به لقناة “الحرة”.

واعتبر الناشط الحقوقي، أن البيان “يتنافى مع الآراء الطبية النفسية الحديثة التي ترى العلاج الهرموني والجراحي ضرورياً، عندما يرى الفرد أن هويته الجندرية لا تتطابق مع جنسه المحدد وقت الولادة، ويرغب بتأكيد جنسه وتطابقه مع هويته الجندرية قدر الإمكان”.

“مرض نفسي”

وقال المركز السعودي المعني بالصحة النفسية، إن ما يصفه بـ”اضطراب الهوية الجنسية” يتميز بعدد من السمات ومنها، أنه “مرض نفسي، وليس لدى المصابين به أي خلل هرموني أو عضوي أو جيني”، مشيراً إلى أن “الفحص الجيني هو ما يحدد جنس الفرد، لا رغبته الذاتية المجردة”.

وأوضح المصدر ذاته، أن “من يعانون من اضطراب الهوية الجنسية لا يتقبلون الهوية التي ولدوا بها، ولديهم الرغبة القوية في إجراء تغييرات جسدية ظاهرية وداخلية، ليتوافق مع شكل الجنس المرغوب به نفسياً”.

وأضاف المصدر أنه “من خلال المتابعة، توجد نسبة من المصابين ترغب بالعودة إلى الجنس الأساسي وتتقبله بعد المساعدة الطبية المتخصصة”.

وقالت مديرة الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية، الطبيبة “زافي لدكيسيان”، ردّاً على البيان، إن “المشكلة الأكثر وضوحاً في البيان الصادر هي اللغة المستخدمة”.

واعتبرت “لدكيسيان” في تصريحات لوسائل إعلام، أنه “لا ينبغي الحديث عن اضطراب الهوية الجنسي بل عن الانزعاج الجندري، الذي يعني القلق والتوتر الذي يشعر به المرء لأنه لا يستطيع التعبير عن جنسه الحقيقي”.

الفروقات بين الجنس والجندر

من جانبه، قال منسق التواصل في منظمة “حلم”، التي تعنى بحقوق مجتمع “الميم”، “ضومط قزي”، إن البيان يحمل “عدة مغالطات تم الزج بها في سياق علمي” مشيراً أيضاً إلى أن “اللغة المستعملة تؤثر على نظرة المجتمع للعابرين والعابرات جنسياً”.

وأوضح “قزي”، أن “ما يعتبره المركز اضطراباً للهوية الجنسية يصطلح عليه علمياً الانزعاج الجندري”، لافتاً إلى “الفروقات الكبيرة بين الجنس والجندر”.

إذ أن الجنس مفهوماً طبياً يُحدد بناء على الجينات وشكل الأعضاء الجنسية، فيما أن النوع الاجتماعي (الجندر) مفهوم يفسره المجتمع والشخص لنفسه ولا تحدده الجينات أو بنيته الفيزيولوجية، بحسب “قزي”.

واعتبر “قزي”، أن صياغة البيان، أرادت إلغاء مسألة النوع الاجتماعي أو الجندر وأيضاً المثلية لأن الاعتراف بكل ذلك “يعني الاعتراف بتعدد الأنواع الاجتماعية في المجتمع، ما ينسف البيان من أصله”.

“التأثيرات السلبية”

وذكر بيان المركز السعودي، أن “التدخلات الطبية عبر الهرمونات والعمليات الجراحية لتغيير الجنس لدى هؤلاء المرضى، لا تفتقد للفعالية فحسب، ولكنها كذلك تؤدي لمضاعفات نفسية وطبية خطيرة على المديين القريب والبعيد”.

وتابع المركز، أن “من هذه التأثيرات الحاجة للتنويم طويل المدى في أقسام الطب النفسي، وارتفاع معدلات الانتحار، وازدياد الإصابة بالسرطان، واحتمالات الوفاة المبكرة، إضافةً إلى الكثير من التحديات الاجتماعية التي يواجهها من خضع لتلك الإجراءات، إضافةً إلى معاناته الأصلية”.

وحول هذا الجانب، قال “قزي”، إن “الإشارة إلى أن جراحة تأكيد الجندر تؤثر على الأفراد سلباً، غير صحيح بالمطلق”، لافتاً إلى أن “إحصائيات شملت أكثر من 90 ألف شخص خضعوا لهذه العملية، تكشف رضا وامتنان 92%، وعلى انعكاساتها الإيجابية على حياتهم”.

وأضاف الناشط الحقوفي اللبناني، أن منع الراغبين في إجراء عمليات تأكيد الجندر، يتسبب فيما يطلق عليه “التعاسة الجندرية” أو “الانزعاج الجندري” التي تدفعهم إلى تعاسة أكثر واضطرابات نفسية يمكن أن تؤدي إلى الانتحار وإيذاء أنفسهم، بالتالي منع هذا الأمر “مخز للغاية”، على حد تعبيره.

وأردف “قزي” أن هناك دولاً سبقت السعودية في اعتماد ما يطلق عليه “العلاج النفسي”، في حين أنه عبارة عن “قمع الأفراد ومحاولات تغيير هوياتهم الجندرية”، باءت بالفشل وكانت لها تبعات وانعكاسات سلبية.

وذكرت “لدكيسيان”، أن التدخلات الطبية والهرمونية تخفف من العوارض النفسية، مشيرة إلى أن “البيان يخلو من الحقائق وفيه معلومات خاطئة، لإظهار الهوية الجنسية على أنها مرض”.

وشددت الطبيبة على أن “العلاج التأكيدي يخفف من التوتر النفسي والقلق والاكتئاب والتفكير في الانتحار، وحرمان الأفراد من الرعاية المؤكدة، هو ما يسبب جميع الأعراض التي تم وصفها في البيان”.

وأشارت “لدكيسيان” إلى أن معدل الندم بعد الحصول على هذا العلاج “أقل من 1 بالمئة، وهذا يعني أنه عندما يتم منح الأشخاص إمكانية الوصول إلى المعرفة والرعاية المؤكدة والدعم أثناء فترة انتقالهم، فإنهم يكونون أفضل نفسياً وجسدياً”.

وركّزت الطبيبة على أن “كل المنظمات النفسية ذات المصداقية لا تنظر إلى الانزعاج الجنسي على أنه اضطراب بين الجنسين، لأن هذا النهج عفا عليه الزمن”.

وشطبت منظمة الصحة العالمية المشكلات الصحية الخاصة بالعابرين والعابرات جنسياً، من قائمة “الاضطرابات العقلية والسلوكية”، في المراجعة الحادية عشر للتصنيف الدولي للأمراض.

وأبرزت الأمم المتحدة أن إلصاق صفة المرضى بمغايري ومغايرات الهوية الجنسانية يبقى “أحد الأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها مغايري ومغايرات الهوية الجنسانية”.

واعتبرت الهيئة الحكومية السعودية، أن التدخل العلاجي اللازم في حالات الراغبين في العبور جنسياً، “نفسي”، مشيرة إلى أن على “الطبيب تشخيص الحالة وشرح طبيعتها للمصاب وأدوات التدخل النفسية المتاحة، وتقديم العلاجات النفسية المتوفرة، لتخفيف معاناته وتحسين مهاراته التكيفية، وتوضيح ذلك لأسرهم كذلك”.

وأوضح المصدر ذاته، أن التوصية بإجراء عمليات جراحية لتغيير الجنس، أو وصف هرمونات مغايرة للجنس الأساس قبل أو بعد العمليات الجراحية، “خداعٌ لمرضى اضطراب الهوية الجنسية، ولم يثبت بشكلٍ قاطع ما يدعمه علمياً لتحسين الرضا النفسي المصاحب للاضطراب، وعليه فهو تدخل غير مقبول، وتبعاته السلبية تفوق بكثير مكتسباته”.

وشددت اللجنة على أنه “ينبغي الوقوف بحزم ومحاسبة المضللين للمصابين بالاضطراب، الذين يوهمونهم بتدخلات هرمونية أو جراحية مغلوطة”.

في هذا السياق، رأى “بن عزيز”، أن الدعوة لمحاسبة من يصفهم البيان بـ”مضللي المصابين” تعكس “حجم التخلف والانتهاك، فهي لا تسمح بالمساعدة وفقاً للآراء الحديثة وأيضاً لا تسمح بنشر التوعية بحجة مكافحة الترويج للمثلية ويهدد الحياة لبند إعلام الأسرة التي لن تتقبل”.

وأشار “بن عزيز” إلى أن المثلية توجّه جنسي مختلف عن العبور الجندري المتعلّق بالهوية الجندرية، وعلى المؤسسات الصحية أن تتبنى دوراً محايداً توعوياً لا ينحاز إلى مفهوم ديني محدد أو حكم مسبق.

كما أن التوجه الجنسي والهوية الجندرية “أمران من طبيعة الإنسان يأتيان معه ويتشكلان منذ ولادته لا باختياره أو رغبته، وليسا من الأمور التي يمكن الترويج لها أو التأثير عليها”، موضحاً أن “من يشعر أنه رجل لا توجد قوة تجعله امرأة وكذلك المغاير لا شيء قد يجعله مثلياً”، بحسب “بن عزيز”.

وليس لدى السعودية قوانين مكتوبة متعلقة بالتوجه الجنسي أو الهوية الجندرية، لكن يستخدم القضاة مبادئ الشريعة الإسلامية غير المدونة لمعاقبة الناس المشتبه بإقامتهم علاقات جنسية خارج الزواج، بما في ذلك العلاقات الجنسية اللازوجية والمثلية، أو غيرها من الأفعال التي تعتبر “لا أخلاقية”، بحسب بيان سابق لـ”هيومن رايتس ووتش”.

وبحسب بيان للهيئة الاستشارية الطبية الدولية حول العلاج الهرموني للأشخاص العابرين والمتنوعين جندرياً، يبقى الهدف من العلاج الهرموني المؤكد للجندر “مواءمة المظهر الخارجي للجسم مع الجنس المحسوس”.

وبالإضافة إلى التغيرات الجسدية، تأتي الفوائد النفسية، بحسب البيان الصادر في حزيران الماضي، “لتحسين نوعية الحياة، بغض النظر عما إذا كانوا قد خضعوا لجراحة التأكيد الجندري أم لا، إذ إن العلاج الهرموني المؤكد للجندر يمكن أن يساعد في تأكيد الهوية الجندرية”.

يُذكر أن الأمم المتحدة تؤكّد على حق مغايري ومغايرات الهوية الجنسانية في الحصول على الاعتراف القانوني بهويتهم وهويتهن الجنسانية وتغيير نوع الجنس في الوثائق الرسمية، بما في ذلك شهادات الميلاد، دون فرض شروط مرهقة وتعسفية.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى