حجبتها سنابل القمح وتنكرت أثناء هروبها.. حكاية القديسة “بربارة” وطقوس الاحتفال السورية بعيدها
يصادف في الرابع من كانون الأول من كل عام عيد القديسة المسيحية “بربارة” وفقاً للكنائس التي تتبع للتقويم الغربي، فيما يتم الاحتفال به في 12 من الشهر ذاته بحسب الكنائس الشرقية، هذا العيد الذي يرتبط بطرق احتفال منتظرة كل عام حتى غدا طقساً سورياً غير مرتبطة باتباع الديانة المسيحية فقط.
هكذا يُحتفل بالبربارة
ليلة البربارة، يتحلّق الأطفال ضمن مجموعات، ويجوبون طرقات القرى السورية متنقلين بين البيوت لملء أكياسهم بالحلوى والمكسرات، كما يشيع إعطاء الأطفال بعضاً من النقود، وخلال هذا التنقل ترتفع أصواتهم بأهازيج مرتبطة بالمناسبة أشهرها “هاشلة بربارة مع بنات الحارة”، و”شيحة فوق شيحة صاحبة البيت منيحة”، و”أرغيلة فوق أرغيلة صاحبة البيت زنغيلة”.
ويرافق هذا الطقس، ارتداء الأطفال أزياءً تنكرية، نسبة إلى حكاية تخفي “بربارة” من بطش والدها بعدما اكتشف انتمائها للدين المسيحي، إلا أن سابقاً كانت فكرة التنكر مختلفة عما هي عليه اليوم، حيث اعتاد أهل القرى على تلوين وجوههم ولبس الخرق البالية، وتبادل الحلوى ليلة العيد وتدق أجراس الكنائس بقوة إكراماً للشهيدة القديسة.
ويشيع الاحتفال بعيد البربارة في قرى الساحل السوري، حيث يمكن رؤية مجموعات النار المشتعلة بأغصان بعض أصناف النباتات، من بعيد، وهي شكل من أشكال التباري بين القرى، حيث تكون الغلبة لمن تبقى نيرانه مشتعلة لأطول فترة ممكنة.
ويشكل عيد البربارة إيذاناً ببدء موسم الاحتفال بعيد المسيح، حيث تبدأ العائلات السورية تزامناً مع البربارة بتزيين شجرة الميلاد، إلى جانب زرع بذور العدس والحمص وحبوب أخرى في أوانٍ صغيرة، لكي تنمو منها براعم خضراء.
القمح.. صنف أساسي في عيد البربارة
يعد طبق “الهريسة” المكون من القمح المسلوق والمقلى بالسمن البلدي والمضاف إليه أحد أصناف اللحم لاسيما الدجاج والمطهى لساعات طويلة على النار، أحد أبرز الموروثات الشعبية السورية في هذا الاحتفال، بالرغم من الواقع الاقتصادي القاسي الذي بات يعيق تقديم هذا الصنف الذي لا يزال يقاوم الزوال.
وقبل استقبال الأطفال الطائفين على البيوت، تبدأ العائلات بتحضير الهريسة، ويزين الطبق بالمكسرات كالجوز والزبيب واللوز والحلوى الملونة والسكر، كما تفترش الموائد أصناف حلويات أخرى منها العوامة والقطايف.
ويعود تقديم القمح في عيد البربارة، إلى قداسة هذه النبتة في المنطقة وعلاقتها بنجاة القديسة، كما ارتبط بأساطير الحصاد وطقوس العبادة التي أحاطت بالحنطة منذ الأزمنة القديمة.
حكاية القديسة بربارة
ويعتقد أنّ بربارة عاشت في القرن الثالث للميلاد، لكنّ الاحتفال بذكرها لم يبدأ إلا في القرن السابع، ورغم الخلاف على دقّة مكان وتاريخ الولادة، تجمع كافة المرويات على خطوط عريضة موحّدة لقصّة بربارة، باتت حكاية تنقل بالتواتر، وترويها الجدّات لأحفادهنّ في بلاد الشام.
وتقول القصّة، إنّ بربارة كانت ابنة نبيل روماني، عرف بثرائه، وبتعصّبه لوثنيته، ولأنها كانت على قدر عالٍ من الجمال، خاف والدها عليها من العيون، فبنى لها برجاً عالياً، حبسها فيه معظم طفولتها وشبابها، وكان الخدم والمعلّمون يزورونها فيه.
وتعرفت بربارة على الانجيل والمسيحية من أحد معلميها، وقررت أن تنال المعمودية بالسرّ، وتكريس حياتها للمسيح، فصارت ترفض عروض الزواج، مما أحرج والدها أمام نبلاء قومه، وبدأ يشكك بتأثير المعتقدات المسيحية عليها، إلى أن صارحته بإيمانها فحاول قتلها، فهربت منه وصارت تركض في الحقول والبراري.
وقامت بربارة بلف نفسها بالملابس والخرق الممزقة لتختفي عن عيون والدها ومن جند من حراس للعثور عليها، ولونت وجهها حتى لا يتم التعرف عليها، واحتمت بسنابل القمح الناضجة التي كانت تنمو كلما مرت من بينها حتى تحجبها عن الباحثين عنها، كما تقول الرواية.
وتنتهي حكاية بربارة بالقبض عليها، فجردها والدها من ملابسها وجلدها أمام الناس، لكن هناك نور لفها كي لا ينكشف جسدها أمام من وقف ليتفرج عما يحصل، لكن بربارة تمسكت بإيمانها وشفيت جراحها، وحكم عليها بقطع رأسها، فقرر والدها تنفيذ الحكم بيده، لتقوم “يوليانة” وهي شابة من أبناء قومها ممن تأثر بها، بنجدة بربارة، فأعلنت ايمانها بالمسيح، فقتلت الاثنتان معاً، وتعتبران شهيدتين من شهداء الكنيسة الأولى، وفقاً للحكاية المتناقلة.