العناوين الرئيسيةمن كل شارع

أخطاء و ”كوارث” بحق اللغة في قرارات وإعلانات رسمية.. من المسؤول عن حماية اللغة العربية؟

تُعدّ سلامة اللغة العربية ذات أهمية في وضوح القرارات الإدارية والتي تنعكس محاسنها في ترصين قوة القرار، والحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة كافة.

إهمال وأخطاء بالجملة

وكثرت في عصر مواقع التواصل الاجتماعي عمليات اصطياد الأخطاء اللغوية في قرارات وتعميمات الجهات الرسمية وأحياناً إعلاناتها، أخطاء توصف بأنها “كارثية” و”يجب ألّا تمر مرور الكرام في دولة رائدة على مستوى اللغة العربية كسورية” أو “تعكس أن اللغة العربية ليست بخير”.

آخرها، على سبيل المثال لا الحصر، كان تعميم مديرية تربية اللاذقية إلى المدارس لتنبيه طلابها بشأن إطلاق صفارات الإنذار تجريبياً في محاولة منها لعدم نشر “الزعر” بين الطلاب، على حدِّ تعميمها، الأمر الذي أثار انتقاداً واسعاً عبر “فيسبوك” آنذاك، خاصةً وأنه صادر عن مؤسسة تربوية.

الأمر الذي بررته المديرية على لسان مكتبها الصحفي، بأن “الخطأ الوارد مطبعي كما هو واضح للجميع، وقد يرد في أي كتاب، وحدث نتيجة إصداره بالسرعة القصوى ونشره توخياً لأيّة نتائج إبان تطبيق تجربة صفارة الإنذار في المدارس”.

كما أثار شعار احتفالية جامعة دمشق في عيد تأسيسها الـ100 “حكاية إنتماء” انتقادات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوضع همزة قطع في غير موضعها، معتبرين أن “هذا الخطأ وإن مرّ فليس على مؤسسة تعليمية مهمّة وعريقة مثل جامعة دمشق”.

ومع كل خطأ، نجد تبريرات ضعيفة، لا ترتقي إلى مستوى الاعتراف بالخطأ، فقرار تربية اللاذقية مرَّ على الأقل على موظفين عديدين قبل أن يذيل بتوقيع المدير، وإعلان جامعة دمشق مرَّ على عدد كبير من الإداريين والموظفين قبل “كارثة” نشره في مثل هذه المناسبة.

وأخطاء كثيرة أخرى، إن لم نقل إنها تعكس الإهمال، فهي حكماً تعكس استخفافاً إدارياً، وضعفاً باللغة العربية التي على ما يبدو تقف وحيدة، بلا حماية أو رقيب.

ولعلّ ما يلفت النظر في هذه الأخطاء، أنها تكون صارخة إلى حدّ كبير أحياناً، إذ تُثير التساؤل حول كيفيّة الوقوع فيها أو عدم الالتفات إليها، حيث إن الأمر في بعض الحالات لا يتعلّق بغياب همزة أو نقطة أو علامة تنوين فحسب، وإنما بكلمات مختلفة تماماً عن الكلمات المقصودة تؤدّي معنى مختلفاً تماماً عن المعنى الهدف.

وللأخطاء اللغوية المنتشرة بالقرارات والتعميمات الرسمية أنماط مختلفة، بعضها نحوية تتعلّق بألف باء الإعراب، وبعضها الآخر صرفي يتعلّق بالاشتقاقات أو معجمي يتعلّق باستخدام كلمات في غير معناها أو غير موقعها أو تكون عامية، وأي شخص مهما كانت سويته اللغوية بمجرد أن ينظر إلى القرار بإمكانه ملاحظة الخطأ.

“اللغة العربية هوية”

ومع تكرار هذه الأخطاء، مؤخراً، تساءل كثيرون عمّا إذا كان المسؤولون من أهل الاختصاص يهتمون بمسألة سلامة اللغة العربية، وماذا يفعلون لتلافي الأخطاء الشائعة التي تزدحم بها بعض القرارات الصادرة عن مؤسسات رسمية، منها مؤسسات تربوية؟.

وحول هذا الموضوع، قال رئيس قسم اللغة العربية في جامعة تشرين، الدكتور عدنان أحمد، لتلفزيون الخبر، إن “وقوع مثل هذه الأخطاء أمر مؤسف ومؤلم، فاللغة العربية هي هوية العرب، والحفاظ عليها جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الهوية”.

وأضاف الدكتور “أحمد”، أن “لهذه الأخطاء أثراً سلبياً كبيراً، ويجب تلافيها، كونها تسهم في تثبيت الخطأ وتكريسه بالأذهان، لكونها تحمل طابعاً رسمياً يوحي بصحة ما في مضمون هذه القرارات من لغة وأفكار”.

وشدد رئيس قسم اللغة العربية في جامعة تشرين على أنه “لا فرق إن كان هذا الخطأ اللغوي صادر عن مؤسسة تربوية وتعليمية أو مؤسسات اقتصادية مثلاً، فالخطأ خطأ، ويجب تلافيه وعدم الوقوع فيه”، جازماً أنه ما من مؤسسة رسمية لا يوجد لديها مختص لغة عربية على ملاكها.

ودعا الدكتور “أحمد” إلى “تفعيل دور المدقق اللغوي في الجهات والمؤسسات العامة وعدم إصدار أي قرار قبل تدقيقه لغوياً، فالاستسهال بهذه التفاصيل أمر مرفوض”.

“ضعف لغوي غير مسبوق”

من جهته، رأى رئيس قسم اللغة العربية في جامعة طرطوس، الدكتور ماهر عيسى حبيب، في حديثه لتلفزيون الخبر، إننا “نشهد ضعفاً لغوياً شديداً لم تشهده اللغة العربية منذ عصور الانحطاط، ولهذا الضعف أسبابه المباشرة وغير المباشرة”.

وأضاف الدكتور “حبيب”، أن “من أسبابه غزو اللغة الأجنبية والتباهي في استعمالها، في المقابل برمجة العقل الجمعي العربي أن كل ما يتصل بالعربية هو اتصال بالتخلّف والانحطاط”.

وجدد الدكتور “حبيب” الدعوات لتفعيل دور الرقابة اللغوية في المؤسسات والجهات العامة، على نحو ما كانت تفعل “لجنة تمكين اللغة العربية” التي أُلغِيت، بوضع مدققين لغويين في دواوين المؤسسات العامة وإقامة دورات للموظفين في أصول المراسلات.

وذكر الدكتور “حبيب”، أن “استخدام العامية وصل إلى الجامعات، وأصبحنا نرى ملخصات تستخدم العامية، في مخالفة لقرارات مجلس التعليم العالي”، مُشيراً إلى أن عدم المتابعة وعدم المحاسبة هو الذي أوصل اللغة العربية إلى ما هي عليه اليوم.

وأوضح الدكتور “حبيب”، أن “المشكلة عامة في الواقع الاجتماعي وفي العقل الجمعي العربي والتي انعكست على مختلف الجوانب”، موجّهاً العتب إلى وسائل الإعلام السورية “التي كنّا نتباهى بلغتها، وتركت المستوى الفصيح ولجأت للعامية المهجنة بالأجنبية حتى في أسماء برامجها”.

وحول الموضوع ذاته، قال أستاذ علوم اللغة في جامعة حماة، وعضو مراسل لمجمع اللغة العربية بدمشق، الدكتور محمد عبدو فلفل، لتلفزيون الخبر، إن “أخطاء كهذه غير مقبولة ويجب العمل على تلافيها فوراً، ولكن لنكن موضوعيين هذا لا يعكس أن واقع اللغة العربية محلياً بهذا السوء”.

وأضاف الدكتور “فلفل”، أن “الجهات الرسمية يجب أن تكون أكثر حرصاً لعدم الوقوع بأخطاء كهذه، وخاصةً الشائعة منها، وعليها طلب الاستشارة من مجمع اللغة العربية عند الحاجة، وخاصةً في قضايا مختلف عليها، وأن تكون أكثر حذراً لعدم الوقوع بأخطاء بسيطة تعكس صورة غير سليمة، كون هذه القرارات تعكس صورة تلك المؤسسات”.

وطالب الدكتور “فلفل” عبر تلفزيون الخبر بـ”تفعيل دور الرقيب اللغوي في المؤسسات والجهات العامة، وأن يكون على السلم الوظيفي مسمى مستشار لغوي، مهمته مراجعة وتدقيق القرارات والإعلانات الصادرة عن هذه الجهات”.

وختم الدكتور “فلفل” حديثه مُشيراً إلى أنه “لا يوجد ما يمنع من تخصيص مستشار لغوي لكل مؤسسة، لدينا الآلاف من خريجي اللغة العربية، وبذلك تكون فرصة للارتقاء بهذه المؤسسات لغوياً”.

مجمع اللغة العربية “غير مهتم”

وتعذّر التواصل مع مدير مجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور محمود السيد للوقوف على دور المجمع في تفعيل الرقابة اللغوية “لأسباب متعلّقة بالسفر” على حد قول موظف المقسم.

فيما رفض معاون مدير المجمع التصريح عند التواصل معه عن طريق المقسم حتى قبل معرفته الموضوعَ الذي نريد طرحه.

يُشار إلى أن تاريخ مجامع اللغة العربية بدأ من دمشق، إذ شهد النصف الأول من القرن الـ20، نهضة كبرى في الاهتمام باللغة العربية، وإنشاء المجامع اللغوية العلمية في العديد من الدول العربية، أقدمها هو مجمع دمشق عام 1919، ثم مجمع القاهرة 1932، وتلاه مجمع بغداد 1947.

فكان لا بد من تعاون المجامع الثلاث من أجل إنشاء كيان يجمع تلك المجامع اللغوية وتنظيم الاتصال وتنسيق الأعمال بينها، فأُسِسَ اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية عام 1971 برئاسة الدكتور “طه حسين” عميد الأدب العربي.

من الجدير بالذكر أن اللغة العربية تعيش أضعفَ مراحلها حالياً، بحسب مختصين، ويجب أن تكون للمؤسسات التعليمية في المجتمع، والمراكز المحلية المعنية باللغة العربية، وقفة فاعلة عاجلة لوقف تدهورها، وإصلاحها وفق رؤية متخصّصة تعي أهمية الدور والتأثير.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى