يوم تم سلب مصر موقعها المقاوم.. 45 عاماً على “كامب ديفيد”
رجحت الكثير من التحليلات الصادرة عن جهات مصرية وغربية ان الرئيس المصري السابق أنور السادات دخل إلى جانب سوريا في حرب 1973 بهدف تحريك موقع مصر التفاوضي مع الاحتلال وليس بهدف تحرير الأراضي المحتلة.
وظهر ذلك في توقف الجيش المصري بأوامر من “السادات” بعد أيام قليلة من اندلاع حرب تشرين وفتح قنوات تواصل مع قادة الكيان للتفاوض وترك الجيش السوري وحيداً يقاتل جيش الاحتلال.
وعلى امتداد سنوات من التفاوض بعد حرب تشرين بين الجانبين المصري والصهيوني توصل الطرفين لتوقيع اتفاقية شقت صفف الموقف العربي وأضرت بالقضية الفلسطينية وفتحت الطريق أمام دخول الاحتلال للعمق العربي “كامب ديفيد”.
خلفيات
كانت اتفاقات “كامب ديفيد” نتيجة 14 شهر من الجهود الدبلوماسية بين مصر وكيان الاحتلال وأميركا بدأت بعد تولي الرئيس جيمي كارتر الحكم في واشنطن.
وركزت الجهود في البداية على حل شامل للنزاعات بين كيان الاحتلال والدول العربية في ما يعرف بـ “مسار محادثات جنيف” وتطورت تدريجيا إلى البحث عن اتفاق ثنائي بين الكيان ومصر.
وشعر “السادات” بحسب المعلومات المتداولة أن مساعي “كارتر” ومسار جنيف لم يتجاوزا حدود العمل الإعلامي فقرر اتخاذ خطوة زيارة عاصمة كيان الاحتلال “تل أبيب” بحجة إبداء حسن النوايا وتحريك عملية “السلام”.
وأعلن في 9 تشرين الثاني 1977 أمام مجلس الشعب المصري رغبته بزيارة القدس ومخاطبة “الكنيست” الصهيوني وعبر وسيط أميركي وجه الكيان دعوة للرئيس المصري لإلقاء خطبة أمام أعضاء “الكنيست”.
وفي 19 تشرين الثاني 1977 وصل “السادات” إلى القدس في أول زيارة لزعيم عربي للكيان واستمرت 3 أيام ألقى خلالها كلمة أمام “الكنيست” الصهيوني قال خلالها “بكل إخلاص، أقول لكم، نرحب بكم بيننا، بأمن وأمان كاملين”.
وبعد الزيارة استمرت المفاوضات بين الطرفين بوساطة أميركية في عدة أماكن وسط حالة رفض عربي كامل لتصرف “السادات” إلا أن اجتمعت الأطراف جميعها في 5 أيلول 1978 بمنتجع “كامب ديفيد” بولاية ماريلاند الأميركية.
الاتفاقية
على مدار 12 يوم من التفاوض خلصت جميع الأطراف إلى توقيع اول معاهدة سلام بين دولة عربية وكيان الاحتلال في 17 أيلول 1978.
ومثل مصر في المعاهدة الرئيس “السادات” وعن الجانب الصهيوني رئيس الحكومة “مناحيم بيغن” وبحضور الرئيس الأميركي “كارتر” حيث وقع الأطراف الثلاثة على الاتفاقية التي باتت تعرف باتفاقية “كامب ديفيد”.
وتعد المعاهدة أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع الكيان الصهيوني، والتي تعهد بموجبها الطرفان الموقعان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما تمهيدا لتسوية، كما انسحب الكيان من سيناء التي احتلها عام 1967.
النص
ورد في بنود الاتفاقية “يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر”.
وتابعت “يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان، كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة”.
وشملت على “تمتع السفن “الإسرائيلية” والشحنات المتجهة من “إسرائيل” وإليها بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول”.
وأكملت الاتفاقية أنه “يعامل رعايا “إسرائيل” وسفنها وشحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من “إسرائيل” وإليها معاملة لا تتسم بالتمييز في كافة الشؤون المتعلقة باستخدام القناة”.
وتعهد الطرفان في المعاهدة على “الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية”.
تنازلات امنية مصرية
أثارت المعاهدة جدلاً كبيراً بعد كشف كامل بنودها وشكلت البنود الخاصة بخفض الوجود العسكري للجيش المصري في سيناء والذي يعني غياب السيادة الكاملة للدولة المصرية على جزء من أراضيها أكثر البنود إثارة للجدل.
حيث حددت المعاهدة مناطق منخفضة القوات والتسليح في سيناء والنقب كما شملت بعض الترتيبات والتنازلات الأمنية والعسكرية المصرية في سيناء تجرّد ثلثي سيناء من القوات والسلاح إلا بإذن “إسرائيل” وفقاً للملحق الأمني من المعاهدة إضافة للتحديدات تخص نشاط الطيران.
ردود الفعل العربية
صادقت القاهرة و”تل أبيب” على المعاهدة في 26 أذار 1979 وبعدها بخمسة أيام في 31 أذار اجتمع القادة العرب في بغداد بغياب مصر وقرروا طردها من جامعة الدول العربية ونتيجة لذلك نقلت أمانة الجامعة من مقرها في القاهرة إلى تونس العاصمة.
وعمت المظاهرات الرافضة لـ “كامب ديفيد” جميع الدول العربية خصوصاً ما كان يعرف بدول “جبهة الصمود” المؤلفة من سوريا والعراق وليبيا والجزائر كما انتشرت المظاهرات الرافضة في شوارع مصر وأدت لصدامات مع قوى الشرطة والجيش.
وتم منح الرئيس المصري أنور السادات ورئيس حكومة الكيان “مناحيم بيغن” جائزة نوبل للسلام مناصفة بينهما تقديراً لتوقيعهما اتفاق “كامب ديفيد”.
مصر اليوم
وسط تهافت عربي على التطبيع مع الكيان خصوصاً بعد موجة التطبيع عبر “الاتفاقات الإبراهيمية” التي أقرت علاقات سلام بين الكيان والإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع حديث مستمر عن اقتراب السعودية من توقيع اتفاقات مماثلة مع الكيان.
ورغم مرور عقود على التطبيع الرسمي بين القاهرة و”تل أبيب” إلا أن الشعب المصري ما زال يرفض أي تقارب مع الاحتلال ويُعتبر التطبيع مُجَرماً من قبل النقابات المصرية.
ورفض الشعب المصري للاتفاقية منع الكيان من التغلغل ضمن الأوساط الشعبية وأكدت مراكز الدراسات الصهيونية أن تصلب المصريين كشف فشل الكيان بإقامة علاقات دافئة مع القاهرة.
ونفذ جندي مصري اسمه “محمد صلاح” مطلع حزيران الماضي عملية بطولية عند معبر “العوجا-نيتسانا” على الحدود الفلسطينية المصرية وأسفر عن قتل 3 جنود صهاينة وجرح إثنين آخرين.
وتعاملت الحكومة المصرية مع العملية بتعتيم كبير خلال أولى ساعات العملية ما اعتبره الناشطون تخوف من زعزعة اتفاقية السلام مع العدو الموقعة.
يذكر ان اتفاقية “كامب ديفيد” شرعت وجود كيان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة وفتحت له باباً ضمن العمق العربي بعد إزاحة أحد أهم أطراف النضال ضده مصر لتبقى سوريا وحلفاءها حتى اليوم تقاتل باسم الأمة العربية لتحرير الأرض المحتلة.
يشار إلى أن الرئيس “السادات” اغتيل في احتفالات حرب تشرين يوم 6 تشرين 1981 على يد أحد المحسوبين على التيار الإسلامي وذلك رفضاً لتوقيعه الاتفاقية إضافة لتردي واقع المصريين الاقتصادي بعد “كامب ديفيد”.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر