فلاش

لماذا دمشق مرة أخرى ؟

تتوالى وتتصاعد هجمات التنظيمات المتشددة على العاصمة دمشق، وعادت أخبار للظهور ظن الشاميون أنها لن تعود، من قبيل الهجوم على ساحة العباسيين، أو معارك قريبة جدا من المدينة، فضلا عن التفجيرات التي زادت عام 2017.

وشنت “جبهة النصرة” وبعض التنظيمات المتشددة الأخرى معركة أطلقوا عليها “اثبتوا يا عباد الله”، وذلك لوصل جوبر بالقابون، واستطاعوا بعد تفجير مفخختين السيطرة على بعض المناطق كمعمل كراش وشعبة التجنيد في المنطقة، ما لبث أن عاد الجيش العربي السوري واستعادها، والمعارك ما زالت جارية حتى اللحظة .

وكانت “هيئة تحرير الشام”، “جبهة النصرة” بمسماها الجديد، تبنت قبل هجومها الأخير،تفجيرين مزدوجين في منطقة باب صغير في حي الشاغور، استهدف زوارا عراقيين، وقبلها تبنت تفجير في منطقة كفرسوسة، ويرجح أنها المسؤولة عن تفجيرات القصر العدلي والربوة، علما أنها نفت ذلك.

ويستطيع الناظر للخريطة السورية اليوم لمناطق السيطرة والنفوذ أن يعاين مدى التغييرات التي طرأت عليها، ويستطيع أيضا أن يخمن لماذا الهجوم والاستهداف بهذه الكثافة يعود لدمشق.

بدءاً من حمص حيث من المفترض أن يستكمل اتفاق الوعر ويخرج أخر مسلح من الحي في أسابيع قليلة، لتصبح بعدها حمص بالكامل آمنة، فالحي كان المنطقة الوحيدة التي كان يسيطر عليها المسلحون في المدينة التي خرج مسلحوها من أحيائها القديمة سابقا في اتفاقية 2014.

ويتمركز في ريف حمص الشمالي تنظيم “داعش”، الذي خسر مؤخرا مدينة تدمر التي عادت للدولة السورية، مع تواجد للتنظيمات المتشددة في بعض القرى التي لا تشكل مواقعها أي عمقا أو خطرا.

ومع خروج مدينة حماة من دائرة المعارك والمشاكل الأمنية وخلوها من الاشتباكات منذ بداية 2013، بقي ريفها، وخصوصا الشمالي، من أكثر المناطق التي شهدت اقتتالات داخلية بين التنظيمات المتشددة.

كما شهدت، وما زالت تشهد، مدينة إدلب وريفها اقتتالات داخلية عدة بين هذه التنظيمات، وأغلب التنظيمات التي صفيت وانتهى وجودها كانت في هذه المنطقة، تحديدا ريف إدلب الجنوبي المتداخل مع ريف حماة الشمالي وريف حلب الجنوبي الشرقي، المنطقة التي شهدت أعنف المعارك بين التنظيمات المتشددة.

ويتقدم المسلحون في منطقة وحيدة هي القلمون الغربي والبادية السورية على حساب تنظيم “داعش”، وهي مناطق صحراوية تمتد من الحدود مع الأردن والعراق باتجاه البادية السورية.

وعادت حلب لحضن الوطن قبل الدخول في 2017، وعودتها كانت ضربة قاصمة للمسلحين والتنظيمات بجميع أشكالها وانتماءاتها، باعتبار أنها كانت مركز ثقل كبير لهم، ويبقى بحوزة المسلحين من المدينة مناطق من جمعية الزهراء في الشمال ومنطقة الراشدين في الجنوب فقط.

ويبقى من حلب للمسلحين من التنظيمات المتشددة المناطق التي تحتلها تركيا بمساندتهم، كمدينتي جرابلس والباب، مع التذكير بأن جزءا كبيرا من الشريط الحدودي مع تركيا يخضع لسيطرة القوات الكردية، التي تحصل مناوشات عدة بينها وبين التنظيمات المتشددة، فضلا عن سيطرتها على مدن كمنبج وعين العرب وعفرين.

وتنقسم في المناطق والمحافظات الشرقية والجزيرة السيطرة بين الدولة السورية والقوات الكردية وتنظيم “داعش” مع غياب شبه تام للتنظيمات المتشددة البقية، فالرقة المدينة بالكامل تحت سيطرة تنظيم “داعش”، الذي يتلقى الضربات من الريف الغربي من القوات الكردية التي اقتربت كثيرا من مدينة الطبقة، وتعتبر الرقة اليوم هدفا اعلاميا لكل الأطراف الدولية.

ويختلف الوضع في دير الزور قليلا، فأغلب المحافظة يحتلها تنظيم “داعش”، باستثناء بعض الأحياء كالجورة والحويقة بالإضافة للمطار العسكري، وليس هناك أي تواجد لمسلحين ممن ينتمون لغير “داعش” في دير الزور منذ أكثر من سنتين.

كما تنقسم السيطرة في محافظة الحسكة بين الدولة السورية التي تسيطر على مراكز المدن كمركز مدينة الحسكة والقامشلي والمطار وغيرها، فيما تسيطر القوات الكردية على ما تبقى، مع تسجيل تواجد لتنظيم “داعش” في بلدة مركدة فقط، مع غياب تام للتنظيمات المتشددة.

في الجنوب، وفي درعا شنت التنظيمات المتشددة هجوما منذ أقل من شهر، ويفترض أنه مازال مستمرا، على حي المنشية الذي يربط بين منطقة درعا المحطة التي تسيطر عليها الدولة السورية ومنطقة درعا البلد التي بحوزة المسلحين، ولم يستطع المسلحون التقدم سوى بعدة أبنية فقط.

مع التذكير أن تنظيم “داعش” في درعا المتمثل بتنظيم “جيش خالد” شن هجوماً على مناطق سيطرة التنظيمات المتشددة وسيطر على مناطق عدة في ريف درعا العربي أخمها منطقة تسيل وتلة الجموع.

وتسجل التنظيمات المتشددة تواجداً مهما في القنيطرة وخصوصا في المناطق الحدودية مع الاحتلال “الاسرائيلي” الذي ساعد هذه التنظيمات، خصوصا “جبهة النصرة”، في معاركها مع الجيش العربي السوري، مع تسجيل غياب كامل في محافظة السويداء التي يسيطر “داعش” على مناطق قليلة في ريفها الشمالي الشرقي كقرية القصر.

أما في مناطق الساحل السوري، محافظتي اللاذقية وطرطوس، فيقتصر تواجد المسلحين على الريف الشمالي للاذقية، الذي يتصل بالحدود التركية والحدود الادارية مع ريف إدلب الجنوبي، وتشهد المنطقة اشتباكات ومعارك متباعدة مع الجيش العربي السوري.

ويتضح مما سبق أن المسلحين من التنظيمات المتشددة، كـ “جبهة النصرة” بمسماها الجديد “هيئة تحرير الشام”، وحركة “أحرار الشام” و”جيش الاسلام” وغيرها من التنظيمات المتشددة وبقايا ما يعرف بـ “الجيش الحر”، لا يستطيعون التحرك لتحقيق نصر “بينحكى فيه” على طاولات المفاوضات إلا في مناطق العاصمة وريفها، الذي يشهد بدوره انحسارا لمناطق سيطرتهم.

ويشهد ريف دمشق منذ سنة مجموعة من التغييرات المهمة، منها عودة سيطرة الدولة على مدينة داريا، ومناطق خان الشيح والمعضمية وغيرها في الغوطة الغربية التي أصبحت خالية بالكامل من تواجد التنظيمات المتشددة، وتبقى الاشتباكات في الغوطة الشرقية، كدوما وحرستا، وامتداداتهما، كبرزة والقابون وجوبر.

التفجيرات والمعارك التي تشهدها دمشق حاليا قد يستطيع المراقب لخريطة السيطرة والميدان في سوريا أن يجد تبريرا لها، هل بالفعل بدأت التنظيمات المتشددة بـ “التلميس ع راسها” لهذا تكثف هجماتها على ما تعتبره أهدافا تستطيع، على الأقل، تحقيق نصر إعلامي فيها؟ وخاصة مع السعار الإعلامي للقنوات الناطقة باسمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى