العناوين الرئيسيةمجتمع

كيف تحول بابور الكاز من قطعة “أنتيكا” إلى حاجة منزلية

يلهثُ أبو منير بشهيقٍ وزفيرٍ متسارعَين أثناء عراكه مع القطعة الخارجية المسؤولة عن تحريض الكاز في قاعدة (بابوره) الذي هاجر سقيفة منزله بعد سُبات عميق امتد عشرات السنوات دون اعتقاده يوماً أنه سيُعيد استخدامه.

 

رجعنا للتراث يا أخي

 

يضحكُ الرجل الأربعيني، ابن مدينة حمص، بطريقة توحي بحجم المصيبة الإقتصادية التي وصل إليها، حاله كحال الغالبية العظمى من سكان البلاد ممّن لم يعد أمامهم أي طريقة لتعويض شحّ المحروقات، إلا بالتحايل والالتفاف والتعديل، حسب تعبيره.

 

“شو بدك تساوي، نضربها يمين تجي يسار، نرقّع هون تفتق هون”، يقول “أبو منير” لتلفزيون الخبر “كلما استبشرنا خيراً بقرب إيجاد الحل، نتفاجأ أن الوضع يتدهور للأسوأ، ولم يعد أمامي إلا ابتكار طرق جديدة لإعداد الطعام حتى لو كانت تراثية”.

 

“يرحم روحك يا جدي”، يستذكرُ “أبو منير” جدّه الذي قضى حياته معتمداً على بابور الكاز أيام الخمسينات، دون أن يعتقد أن إمكانية إعادة تشغيله بعد أن تم تنسيقه وحفظه كقطعة تاريخية، حسب قوله.

 

يقول أبو منير لتلفزيون الخبر “لم أجد في ظل تأخر رسائل استلام مادة الغاز المنزلي ما يعوّض النقص إلا بالبابور، وخصوصاً أننا نسكن المدينة ولا نستطيع تأمين الحطب كسكان الأرياف إضافة لارتفاع سعر الطن منه لأكثر من مليون ليرة”ّ.

 

ويضيف “لست الوحيد ممن عاد للطرق التراثية في تأمين بديل المحروقات، حيث باتت تنتشر بكثرة في العديد من المنازل، وحلّ بابور الكاز مكان الغاز والسخانة الكهربائية”

 

الشكوى لغير الله مذلة

 

كان الزفيرُ هذه المرة سيد الموقف عند التطرق لموضوع الشكوى، ورماها معيل الأسرة والأب لأربعة أطفال على رب العباد، “عم نشتكي للهوى ونحكي مع حالنا والشكوى لغير الله مذلة”.

 

ممتعضاً من واقع الحال، ضارباً جسد البابور عشرات الصفعات كي يتحرك الكاز بشكل أسرع، فالأولاد على وشك الخروج من مدارسهم وعلى” أم منير” الإنتهاء من تحضير المفرّكة بأسرع وقت ممكن.

 

ويضيف أبو منير لتلفزيون الخبر “تعلمت زوجتي كيفية إشعال البابور رغم أنها لم تعاصره في ريعان شبابها، إلا أنها تعرف كما حال كل النساء أن الغاز شحيح وهي التي تستخدم الجرة بالتقطير دون أي مبالغة، لكن الجرة تلفظ أنفاسها الأخيرة مع نهاية الشهر”.

 

أفكار للتعديل والحاجة أم الاختراع

 

يقلّب “أبو منير” بابور الكاز بين يديه ليشرح إمكانية تعديله ويصبح اعتماده على المازوت، وأضاف لتلفزيون الخبر “وصل سعر لتر الكاز لأكثر من 60 ألف ليرة إن وجد، وهو مبلغ كبير لذلك أفكر بتعديل نوعية الوقود ليتخول إلى المازوت الأوفر والأكثر وفرةً بالسعر الحر”.

 

“كل شي فيه اقتصادي إلا الشحوار”، يجلس أبو منير وضعية القرفصاء، واضعاً يديه على ركبتيه منطقة المرفق مبتعدا ً بها عن ثيابه التي نالها بعض السواد نتيجة احتراق الكاز، إلا أن ابتسامةً اخترقت الموقف وقال: شو عليه يا محلى الجلي قدّام الجوع.

 

“طلع أجنباوي”

 

دفعنا الفضول رفقة “أبو منير” للبحث عن أصول هذه القطعة الأثرية، ليتبين أنه ذو أصول سويدية تم اختراعه قبل (100) عام ويطلق عليه اسم (البريموس) نسبة الى البلدة التي قامت بصنعه أول مرة.

 

“سويدي ولا هولندي المهم شغال” يبدي “أبو منير” عدم مبالاته بتاريخ البابور، فالمهم هو الطبخة بالدرجة الأولى، وعاد يضرب القطعة الحديدية نفسها، مستذكراً صوت بياعي الغاز المتجولين عندما كانت الجرة (على قفى مين يشيل)، حسب قوله.

 

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى