ما وراء كرة القدم.. كيف تحوّل مونديال قطر لأهم منصة لمناصرة الأفكار والمعتقدات وترويجها؟
شهد العالم خلال الأيام الماضية افتتاح مونديال 2022 في قطر، على وقع الكثير من التجاذبات المتعلقة بقضايا أحاطت بالبطولة وقسمت الآراء حولها، ما جعلها البطولة الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق.
واتخذ معتنقو هذه القضايا من المونديال منصة أساسية لمناصرة أفكارهم ومعتقداتهم والترويج لها، نظراً لما يكتسبه هذا الحدث من أهمية ومتابعة كبيرة على مستوى ال8 مليار إنسان على وجه الأرض.
مونديال إسلامي عربي
حاولت قطر تحسين صورتها الإعلامية خصوصاً بعد دعمها لبعض الجماعات المصنفة إرهابية على مستوى العالم، وذلك من خلال الاستفادة من مونديال 2022 للترويج لفكرة أنها راعية الإسلام المعتدل، عبر فعاليات تضمنها حفل الافتتاح تؤكد على سماحة الإسلام، وخطاب وحدة الشعوب، وتكريس القرآن الكريم كصورة إيجابية عن الإسلام سواء في حفل الافتتاح أو في شوارع الدوحة.
كما حاولت قطر بعد ازدياد خلافاتها مع محيطها العربي خلال العقد الأخير من الترويج على أن كأس العالم الحالي، هو كأس العرب جميعاً في الدوحة، لتخلق أثراً لدى المتلقي يحاول شطب ما قامت به الدوحة في دعم الانقسامات العربية في ليبيا وسوريا على سبيل المثال لا الحصر.
منتخب إيران والنشيد الوطني
امتنع لاعبو المنتخب الإيراني لكرة القدم عن أداء النشيد الوطني قبل مباراتهم أمام انكلترا في بطولة كأس العالم، في خطوة داعمة للتظاهرات الحاصلة ضمن بلادهم منذ شهرين.
وسلطت هذه الحركة الضوء أكثر فأكثر على ما يحصل في إيران، حيث انطلق بعدها الإعلام العالمي في نشر التقارير المتحدثة حول ما يجري في طهران سواء بصورة داعمة للمتظاهرين، أو داعمة للحكم القائم.
حقوق “المثليين”
في أيلول الماضي أُعلن قادة منتخبات 10 دول أوروبية أهمهم إنكلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا أنهم سيرتدون شارة “one love”، وذلك في مباريات كأس العالم 2022 في قطر دعماً لحقوق “المثليين”.
كما رفض عدد من الفنانين والمؤثرين حول العالم مثل البريطانية دواليبا فكرة تقديم عرض في حفل الافتتاح رداً على تصرفات قطر ضد “المثليين”، وذلك في محاولة من اللاعبين والفنانين دعم حقوق هذه الفئة، إلا أن التهديد بـ”كرت اصفر” قبل المباراة من “الفيفا” في حال ارتداء الشارة جعلت اللاعبين يتراجعون عن قراراتهم.
وحاول المنتخب الألماني في افتتاح مبارياته في المونديال جلب الأنظار لقضية دعم حرية “المثليين”، حيث قام اللاعبون بأخذ صورة تذكارية قبل المباراة مع اليابان وهم يضعون أيديهم على فمهم، في دلالة على قمع حريتهم بوضع شعارات تدعم حقوق “مجتمع ميم”.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لوزيرة الداخلية الألمانية ووزيرة الخارجية البلجيكية وهما يجلسان في مدرجات التشجيع الخاصة بمباراتي منتخبيهما، ومن ثم يقومان بخلع الجاكيت ليظهر تحته شارة دعم “المثلية” مستفيدتين من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتعان بها.
حقوق العمال وحقوق الإنسان
قررت مجموعات دعم من مختلف الدول الأوروبية إطلاق حملة لمقاطعة كأس العالم في قطر، وذلك نتيجة التقارير الصادر حول انتهاكات تتعلق بحقوق العمال الوافدين للمساهمة في تشييد تجهيزات المونديال عدا عن الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان في الإمارة الخليجية.
ودعا الناشطون إلى استغلال عائدات المونديال لتعويض أهالي العمال الذين لقوا حتفهم في أعمال البناء والبالغ عددهم، حسب “الغارديان” البريطانية 6500 عاملاً، كما دعوا للضغط على الحكومة القطرية لتخفيف الانتهاكات المتعلقة بالمرأة وحرية الصحافة.
وساند هذه الحملة منتخبات كروية كبيرة كألمانيا وهولندا عبر ارتداء شارات وألبسة تدعم مطالبهم خلال المباريات المؤهلة للمونديال، أو في مباريات كأس الأمم الأوروبية.
المونديال والتطبيع
استغل رئيس وزراء الكيان “بنيامين نتنياهو” مونديال الدوحة ليروج لفكرة التطبيع مع البلدان العربية، وذلك بنشره فيديو يتضمن مكالمة أجراها مع الناشط السعودي “المُطبع” محمد سعود يهنئ من خلاله بفوز السعودية على الأرجنتين، ويدعو لنشر السلام بين الصهاينة و”أخوتهم” من العرب.
وانتشر في شوارع الدوحة عدد من الصحفيين التابعين لوكالات إعلام عبرية يحاولون إجراء مقابلات مع الجماهير العربية بغية ترويج فكرة السلام.
قضية فلسطين
أعلن ناشطون فلسطينيون قبيل انطلاق المونديال عن التجهيز لعدة حملات مناصرة للقضية الفلسطينية، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو في الأراضي القطرية، لاستغلال المونديال العربي في دعم قضية العرب الأولى.
وأطلق الناشطون حملات “حلم فلسطيني”، و”فلسطين في المونديال” و”تظاهرت رفع العلم” وتتلخص هذه الحملات في مطالبة كباتن المنتخبات العربية في ارتداء شارة علم فلسطين، إضافة لرفع علم فلسطين على المدرجات وحول الملاعب وفي كل مكان ضمن قطر، علاوة على توزيع الأعلام والكوفيات و”بروشورات” تعريفية بالقضية مجاناً على كل ضيوف الدوحة.
وعيّن النشطاء مجموعة شباب باسم “سفراء فلسطين” يقومون بالانتشار بين الجماهير وتعريفهم بالقضية الفلسطينية وتقديم الشروح عنها، لتوضيح الحقيقة التي يحاول الاحتلال طمسها، عدا عن مطالبة المعلقين الرياضيين والمؤثرين على “سوشال ميديا” بالاستمرار في ذكر فلسطين طيلة المونديال لتسليط الضوء على القضية المركزية.
أراء
يرى مازن (ناشط مدني) في حديثه مع تلفزيون الخبر، أن “كرة القدم يجب أن تبقى بعيدة عن كل الترويج السياسي والأيديولوجي، فهي رياضة بمفهومها البحت الجامع، والذي يضم كل المعاني الخيرة، وإلا ماذا يعني انتفاض الغرب لدعم الحريات، وفي ذات الوقت منع روسيا من اللعب في المونديال بسبب أوكرانيا، هناك ازدواجية معايير يجب التخلص منها نصرةً للرياضة والفرجة والمتعة”.
بدوره عارض صالح (خريج علوم سياسية) فكرة حيادية كرة القدم بقوله “لا يمكنني تقبل ما تروج له قطر عن تسامحها وجمعها للعروبة والإسلام بعد ما فعلته في سوريا وليبيا على مدار العقد الماضي، لا يمكن غسيل العقول ومسح الذاكرة باحتفالية هنا ومباراة هناك”.
وأفاد الصحفي محمد سليمان أن “المونديال محفل كروي بحت ولا يجب تحويله لمصدر لحملات المناصرة والتسييس، لكنه باللغة الدارجة (ترند) الوقت الحالي، وكل صاحب فكرة يحاول استغلاله لمصلحته، وهذا ليس من بلادنا بل الغرب هو من قام بذلك عبر وضع شعارات اوكرانيا و(المجتمع ميم) في بطولاتهم ومنع وضع شعارات فلسطين وغيرها”.
وأكمل “سليمان” حديثه “هم من بدأوا التسييس لكن أنا ما يهمني هو جمالية اللعبة وهو ما أراه موجود بالمونديال، بمعنى أفرح للسعودية التي يجمعني معها علاقات سيئة حالياً لأنها قدمت أداءً كروياً جميلاً، لا لموجة العروبة العاطفية المسيطرة، كما أني أفرح لخسارة إيران حليف حكومتنا لا كُرهاً بالدولة أو الشعب الإيرانيين، بل لأن المنتخب الإيراني حرمنا من التأهل لمونديال 2018”.
يذكر أن المحافل الكروية لطالما كانت منصة أساسية يستغلها الساسة وأصحاب المعتقدات لتمرير مصالحهم والترويج لأفكارهم، معتمدين على شهرتها وتأثيرها في قلوب محبيها على مستوى العالم أجمع.
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر