” احزي البخ” اللغة السرية لتجار سوق المدينة بحلب ..الحلقة الثانية ..بقلم المحامي علاء السيد
نتابع توثيق اللغة السرية التي يتداولها تجار بعض اسواق المدينة بحلب المختصة ببيع المفرق حفاظا على التراث المعنوي اللامادي لمدينة حلب.
ومن الجدير بالذكر ان استعمال التجار اساليب ومفردات خاصة لاقناع الزبون وتسويق بضائعهم وللتفاهم فيما بينهم هو امر متبع عالميا.
وما خصوصية هذه المفردات المغرقة بالقدم في اسواق حلب الا دليل اكيد على عراقة هذه الاسواق لوقوعها منذ مئات بل الاف السنين على طرق التجارة العالمية وخاصة “طريق الحرير”، وتعاملها مع تجار من مختلف بلاد العالم والاستفادة من لغاتهم جميعا.
نتناول اليوم حالات التعامل مع الزبون الذي لا يتكلم اللغة العربية، كالسواح الاجانب من مختلف دول العالم الذين كانوا يقومون بالتسوق في اسواق المدينة التاريخية .
لتسهيل التعامل بين اصحاب المحلات وهؤلاء، لا بد من وجود وسيط يتقن لغة الزبون وهؤلاء هم ( المجفتين ) اي السماسرة ، ويختلفون بين :
دليل سياحي يرافق السواح، او اشخاص يقفون بالسوق ويقتربون من الاجنبي عندما يشعرون برغبته بالشراء والتفاهم مع الباعة، يتحدث هؤلاء عادة ست او سبع لغات كالانكليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية والتركية وغيرها .
وفقا للعرف التجاري يتقاضى ( المجفت ) في حال كان دليلا سياحيا مرافقا للوفد نسبة معروفة هي خمس وعشرون بالمئة من قيمة المبيعات الاجمالية وليس من نسبة الربح، وترتفع هذه النسبة الى خمس وثلاثين بالمئة اذا كانت المبيعات باهظة الثمن كالسجاد العجمي وغيره.
اما المجفت المتواجد دائما بالسوق ويصطاد الزبائن المارة فيتفق مع اصحاب المحلات على نسبة معينة وفقا لكل صاحب محل وبضاعته .
وفي حال لم يتفق صاحب المحل مع المجفت على النسبة يقوم المجفت ( بتنكيع ) البضاعة امام الزبون ( اي تخييس البضاعة ) وينعته صاحب المحل حينها بلقب ( محريك) .
سأورد مشهدا تخيليا لحادثة شراء مجموعة من الاجانب لبضائع من صاحب محل بسوق المدينة :
يقترب وفد سياحي مؤلف من رجال ونساء اجانب من احد الاسواق وتبدأ الانظار بالتوجه اليه :
تلفت الانظار سائحة شقراء معهم فيقول احد الصناع لزميله لافتا نظره :
احزي القاطون سفاية ( احزي تعني راقب او شاهد، والقاطون تعني فتاة جميلة، والسفاية هي المؤخرة، والجملة معناها انتبه وشوف بنت حلوة ذات قوام جميل)
يدخل الدليل السياحي الى المحل الذي اتفق مسبقا مع صاحبه على النسبة المخصصة له، يقترب المجفت الواقف قرب المحل مخاطبا الدليل السياحي وهو اصلا مجفت مثله قائلا له :
بالحاصي ( اي نقتسم التجفيته اي النسبة مناصفة )
فيجيبه الدليل السياحي : دلج شته ( اي ارحل من هنا )
يبدأ صاحب المحل بعرض بضاعته على سائح متقدم بالسن فيقول له المجفت الدليل السياحي :
ميكا عود ( اي زبون لا يستحق العناية )
ويشير الى سائح آخر قائلا :
زيقه نضيف ( اي انه زبون دفيع وجه اهتمامك له )
و لكن السائح لا تعجبه البضاعة ويبدي عدم رغبته بالشراء فيقول صاحب المحل للمجفت :
طوفس اوجمو ( طوفَس اي سوف يعدل عن الشراء، و” اوجمو” تعني عليك باقناعه )
فيجيبه المجفت :
عالشيئر ( اي شغلة فاضية ولن يقتنع )
وهنا تقترب السائحة مبدية اعجابها بصنف معين، فيسارع المجفت قائلا لصاحب المحل :
اشتك منها ( اي اقبض منها )
وبعدما يبيعها البضاعة، يسارع المجفت خفية قائلا :
أبص ماعود بشّلك ( أبص اي قبضني، وماعود تعني النقود، وشلّك تعني من جيبك والجملة تعني اعطني حصتي من جيبك )
فيقول التاجر : حوب (اي سأدفعهم لك بالدين )
فيجيبه : شندي ( اي نقدا)
فيقول التاجر: حامشاه ( اي خمسمئة )
فيجيبه المجفت : ششاه ( اي ستمائة )
في هذه اللحظة تقترب دورية أمنية من السوق لكي تراقب التعامل بغير العملة السورية وتلاحق هذه الدوريات عادة صرافي العملة فيقترب احدهم من صاحب المحل قائلا بصوت خافت :
حشم مخارز ( اي احذر دورية خطرة ) ..
او يقول : ( حشم هدا المخرز بحزي الشل) اي احذر من هذا الشخص وخذ حذرك بشدة.
نتمنى ان يكون هذا التوثيق فاتحة لتوثيق المزيد من هذه المفردات من المهتمين بحفظ التراث اللامادي العريق للحياة التجارية في مدينة حلب. ونتمنى عودة اسواق المدينة بحلب الى عافيتها فهي القلب التجاري النابض لعاصمة سوريا الاقتصادية.