“شيخ المطربين”.. عن الصوت الأصيل صبري مدلل
“شيخ المطربين” هو اللقب الذي لا يمكن أن تضيع عن صاحبه، نظراً لما يتمتع به من صوت قوي وجميل ومهارة عالية بالتنقل بين المقامات الشرقية بليونة وسلاسة تُسيطر على جوارح من يستمع إليه من أي لغة كان، فالأصالة هي انعكاس لصوت صبري مدلل.
ولد صبري مدلل عام 1918 في حي الجلوم بمدينة حلب، ولازم والده في حضور حفلات الأوراد والأناشيد الدينية، وتتلمذ على يد الشيخ أحمد المصري الذي اكتشف صوته خلال تردده على حلقات المساجد، كما كان للموسيقي عمر البطش تأثيراً كبيراً على مستقبله وضمه لإذاعة حلب.
واستقال صبري مدلل من العمل في الإذاعة عام 1954 ليتجه لإنشاء فرق موسيقية شكلت علامة فارقة في تاريخ الغناء الطربي والإنشاد الديني العربي، حيث ضمت كبار المغنين والمنشدين في حلب، وقدمت حفلات في العديد من المهرجانات المحلية في سوريا والمهرجانات العربية كقرطاج وبيروت ومصر.
وحمل المدلل فرقة الإنشاد كمشروع محوري في حياته، انشغل به عن كل ما سواه من أعمال أُخرى، حيث أصبح همه تطوير مفهوم الإنشاد الديني الأمر الذي منعه من التعامل الفني مع أصدقائه من المطربين مثل أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب رغم سعيهم لذلك.
وتخصصت فرقة الإنشاد الديني التي أسسها مدلل في تقديم الأناشيد والتواشيح لتصبح فيما بعد مادةً شهية لأي فرقة سورية أو عربية تتجه للإنشاد مثل “صلاة الله ذي الكرم على المختار في القدم والأطيار تشدو وحيوا الهادي بذكرى الإسراء وأحمد يا حبيبي سلام عليك”.
وشهدت فرقة الإنشاد انطلاقة أوروبية 1975 حين نُظمت لها حفلة في قصر الثقافة بباريس، ثم دعيت عام 1986 إلى مهرجان “الموسيقى العربية La Mondial” في فرنسا إضافة لحفلات أُخرى في مختلف أوروبا.
وسجّل الباحث الموسيقي الفرنسي كريستيان بوخة أسطوانة تضم أجمل تواشيح الإنشاد الديني للفرقة بعنوان “مؤذّنو حلب” والتي تُعتبر أول تعارف بين الجمهور الغربي وفن الإنشاد.
يشار إلى أن مدلل أدى العديد من أعمال كبار الملحنين العرب ومن أبرزها أغنية “هو صحيح الهوى غلاب” التي وضعته في مقارنة مباشرة مع أم كلثوم علاوة على تقديمه للعديد من الأغاني التراثية مثل “القراصيا وأول عشرة محبوبي” وتلحين وغناء القصائد وخصوصاً قصائد ابن الفارض.
يذكر أن صبري مدلل “تاريخ الصحراء العربية” كما وصفته الصحافة الفرنسية قبل نحو نصف قرن، توفي في أب 2006 بمدينة حلب عن عمر يناهز 88 عاماً، عُرف عنه خلالها تقديمه للأغاني والموشحات والأناشيد الدينية المحترمة والملتزمة والأصيلة.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر