في بلودان .. صمٌ وبكم يصنعون الفطائر بلغة الإشارة ..
على بعد ما يقارب 35 كيلومتراً من ضوضاء حوارات سّكان العاصمة السّورية، وسط ساحة بلودان المليئة بالمحلات، المتجاورة على صفين بشكل دائري مفتوح، تُرحب يافطة مخبز العادل بزواره القادمين إليه سواء كانوا من البلودانيين وغيرهم، يعجُ “مخبز الخرسان” كما يعرف محلياً بحوار عمل صامت لكنه صاخب بالحركات قط.
تصنع أيادي الأخوة الثلاث لعائلة “أبو خديجة” بحب وبلا كلام أشهى المعجنات الساخنة، بإشارات يصدرونها ويمتثلون لها، فتفعل إشاراتهم السريعة فعل الكلام.
تقف أم محمد زوجة “خالد” الذي أسس وأشقائه محمد ووليد فرن العادل، خلف منصة رخامية لاستقبال طلبات زائري الفرن، السيدة التي تعتبر نفسها همزة وصل بين الناس وزوجها وأشقائه أثناء تجهيزهم للفطائر.
تخبر السيدة مها الذي انتصف عقدها الخامس، تلفزيون الخبر، أن زوجها واشقائه أسسوا الفرن منذ 42 سنةً، عملَ زوجها “خالد” الأخ الأكبر بالفرن منذ كان في عقده الأول، حتى أتقن عمله، حينها قرر والده شراء الفرن له ولأشقائه لتأسيس عملهم الخاص.
لم تتلق “أم محمد” أي تعليم للغة الاشارة التي تتواصل فيها مع زوجها، إذ أنها “هبة من الله” حسب قولها، لتُترجم ما يطلبه الناس عبر الاشارات للعاملين داخل الفرن دون أن تهمس بكلمة واحدة من شفاهها.
وتقول السيدة لتلفزيون الخبر: “زوجي بحاجتي وعلي أن أكون بمساندته وهو يفهم عليّ جيداً منذ أن تزوجنا” وتشير السيدة أنها واجهت انتقادات لاذعة من محيطها الاجتماعي على عملها ضمن المخبز إلا أنها لم تترك زوجها وحيداً، لافتة أن الحياة الزوجية تشاركية وهما يكملان بعضهما البعض.
يرفع خالد راحة يده اليُمنى مكشلاً رقم “5” واضعاً إبهامهُ باتجاه جبهته، الحركة التي تستغرق أجزاء من الثانية، يقصد بها الرجل الترحيب بنا، ليكمل عمله بالضغط على العجين بين يديه حتى يصبح جاهزاً لوضع الحشوة، المهمة التي تنتقل لشقيقه “محمد” الذي يضع بحب وكرم الحشوة على العجين، ليرسلها لشقيقه الأصغر “وليد”، الذي يضع الفطيرة داخل الفرن ويخرجها عند نضوجها بلمحة خاطفة وسريعة.
يؤدي الأشقاء الثلاثة أعمالهم بثقة منقطعة النظير وبخطى متسارعة لتقديم الفطائر ساخنة لزوارهم.
ويُجمع العشرات من الأشخاص المنتظرين لفطائر مخبز “العادل”، الذين التقاهم تلفزيون الخبر على طعمها اللذيذ والشهي الذي يدفع المُشتري لتكرار طلبه وقطع عشرات الكيلومترات لتذوق فطائر المخبز.
صفاء صلال -تلفزيون الخبر