كاسة شاي

كتبٌ ضالةٌ على أرصفة دمشق

 

علوم، طب، أدب، روايات عالمية،نقد، سياسة، تاريخ، شعر،رسائل ،السحر والشعوذة موسوعات للطبخ،كيف تصبحين امرأة ناجحة، كيف يمكنكَ جمع ثروتك، نصائح فقهية وأخلاقية، ومجلات خُلاعّية،كل تلك العناوين يُمكن أن تلفت أيَّ عابرٍ في منطقة البرامكة في دمشق وبالتحديد تحت جسر الرئيس الذي يجوبه الآلاف يومياً.

يستظلُّ سوق بسطات الكتب الجديدة والمستعملة تحت جسر الرئيس ،وتشمل تلك” البسطات” كتب متنوعة وبكافة المجالات ، تحاول الاستمرار في تزويد الجامعيين والمطلعين بالكتب في ظلِّ خوفٍ من المحافظة التي تلاحقهم وتوجه لهم إنذارات لإخلاء المنطقة، رغم أنهم يستقرون هناك منذ عدة سنوات وبموافقة المحافظة.

وتبرر المحافظة ذلك بأنها “تريد تخفيف الإزدحام وترتيب المكان”، وفق ماقال أحد الباعة، وتابع البائع “رامز” أنهم يطالبون المحافظة “بالإعتراف بهم في الوقت الذي تلاحقهم به، ويطالبون بالإعتراف بدورهم في تشجيع الثقافة بمصدر رخيص للكتاب، ويتمنون على محافظة دمشق إعطائهم مكاناً ثابتاً”.

وتحدث أحد أصحاب تلك “البسطات” باعتزاز عن “دور سوق الكتب المستعملة بفترة معينة بتنشيط الحركة الثقافية”، ويضيف “لهذا السوق تاريخ عريق يقصده عدد كبير من أبرز الأسماء المعروفة في ميدان الثقافة، أدباء ومسرحيون وصحفيون، كانت كتب الرصيف مورداً مهما لهم، وكان لها الفضل في العديد من إنجازاتهم”.

ويقول الطالب الجامعي “ابراهيم عدس” الذي تحدث عن “بسطات” الكتب بكلمات توحي برضاه عنها “القراءة مهمة جداً في حياتنا الجامعية وهي بناء لشخصياتنا وثقافتنا المستقبلية”.

وأضاف الطالب” تأتي أهمية “بسطات” الكتب التي تلفت أي شخص يمر بها حتى لو لم يكن من رواد القراءة، إضافة لقربها من كليات جامعية مما يسهل على الطلاب عمليات البحث في مقرراتهم، وأسعارها الزهيدة مقارتة بالمكتبات الشهيرة تشد أغلب الرواد.”

ويتابع: “يومياً لدى خروجي من الجامعة أتوجه إلى البسطات المنتشرة تحت جسر الرئيس لأشاهد كل يوم إصدارات حديثة أو قديمة من الكتب، وأجد شريحة كبيرة من الشباب تبحث عن المراجع العلمية والأدبية التي قد لا تحصل عليها في مكتبة الجامعة، وإنما نجدها في “بسطة” الكتب على الرصيف، ويصبح أي كتاب نريده ملكاً لنا بسعر زهيد.”

وتقول “مرح قصيباتي” طالبة الأدب العربي بالقول: “أجد دائماً أهم المطبوعات الشعرية والنثرية والروايات التي أبحث عنها في “بسطات” الكتب، وصحيح أن الكتب تكون مهترئة بعض الشيء، ولكني أشتريها بأرخص سعر، وأرممها،وأضيفها إلى مكتبتي التي تضم كتب نقدية وشعرية وأغلبها من “البسطات”.”

وأكثر ما يلفت هو مظهر بائعي كتب البسطات و الذي يوحي بجهلهم بما يبيعوه،لكن وأثناء الحديث معهم تجدهم يعلمون الكثير عما يبيعونه،فيعددون أسماء الروايات العالمية والأدباء أصحابها ويحددون موطن كل منها ،وفي شرحهم للكتب الفلسفية والنقدية وحتى السياسية الكثير من الذهول بدقتهم وثقافتهم.

وتتحدث”سوزان”طالبة في كلية الاقتصاد، “عن لجوئها للكتب الالكترونية”pdf” لأن الإنترنت غزا المنطقة مؤخراً بشدة وأخذ وقت الشباب مما آل بالكتب الروقية إلى مستويات متدنية.”

وتابعت” أنها وعلى الرغم من لجوئها للنسخ الالكترونية من الكتب ومن ارتفاع سعر الكتب لازالت تفضل لمس الأوراق والشعور بالكتاب وتلجأ لكتب البسطات لوضوح عناوينها”.

وبالعودة للباعة، يقول “أبو غيث” متحدثاً عن مصادره لكتب “البسطات” ً “إن أغلب باعة البسطات يحصلون على كتبهم ومجلاتهم أثناء التجول في المدينةحيث يعثرون عليها متلفة أحياناً، فيقومون بتنظيفها وإعادة تجليدها إذا كانت مهترئة”.

ويرشدنا “فادي” أحد الباعة لمصادره ومصادر الكثير من أصحاب “البسطات، فيقول: ” يستغل الباعة عروض من أصحاب دور النشر عن كتاب متكدس في مستودعاتهم بكميات كبيرة، فيشترونه بنصف ثمنه أو أقل، إذ كثيراً ما تجد كتاب بكميات كبيرة متكدساً في إحدى “البسطات”.

وتتنوع الآراء بين من يجد هدراً لقيمة الكتاب الحضارية بأن يُلقى هكذا مثل الخردة أو الأدوات المستعملة و قطع غيار السيارات، على الأرصفة أو أنها تسيء لفضاء المدينة وتناسقه الجمالي باجتياحها لرصيف المدن.

وبين من يجد في هذه الظاهرة دالة من دلالات الرقي الحضاري والمعرفي والثقافي ،وهناك من يجد بها صورة من صور الحياة الإنسانية التي يحبها السوريون ويصنعون لها السبل التي تروق لهم.

روان السيد – تلفزيون الخبر – دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى