فلاش

أخطاء كتب التاريخ المدرسية .. اغتصاب ثقافي أم أخطاء من يكتب التاريخ بالواسطة

“التاريخ مرآة الشعوب”، هي المقولة المتعارف عليها، و يقول آخرون أيضاً إن “التاريخ سجن يعوق الإنسان عن رؤية الواقع بموضوعية”.

تتنوع المصادر والمراجع والكتب التي تسرد الكثير من أحداث التاريخ ،وتتنوع أيضاً في دقتها ووضوحها، وفي بطلان وتزوير الكثير من تفاصيلها.

ويمتد بطلان بعضها على المناهج والكتب التاريخية التي تخصص للأجيال بكافة المراحل وتتنبناها المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في منظوماتها التعليمية.

يقول د.”سامي المبيض”و هو مؤرخ وصحفي ومحلل سياسي سوري:”حصلت مؤخراً على نسخة من كتاب«تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر» الصادر عن وزارة التربية السورية، والمقرر في منهاج البكالوريا الأدبي لهذا العام.

ويتابع :”بعيداً عن وجهة نظره الخاصة أن أحداث هذا الكتاب لا تصلح لهذا الزمان والمكان وتحديداً في هذا الظرف الاستثنائي الذي نعيشه كسوريين، فإنني ذُهلت لكثرة الأخطاء الموجودة في هذا الكتاب والناجمة إما عن عدم معرفة من المؤلفين وإما عن عدم اهتمام بعض المراجعين لهذه المناهج”

ويشير “المبيض” إن تشويه التاريخ في المناهج جريمة لا تقل وضاعة وفظاعة عن تدمير واجهة مسرح تدمر الأثري مثلاً، أو أسواق حلب القديمة، لأن أخطاء التاريخ ترسخ في أذهان أجيالنا القادمة، وتصبح حقيقة”

ويحاول”المبيض” تصويب بعض تلك الأخطاء فيما يتعلق بتاريخ سوريا الحديث”المختص به” من نهاية الحرب العالمية الأولى وصولاً لقيام جمهورية الوحدة مع مصر في بادرةٍ منه لاحترام عقول السوريين.

ويحدد “المبيض”المشكلة الأولى المتمثلة بالفصول المتعلقة بسوريا وفي المراجع العلمية،التي لجأ إليها مؤرخوهذا الكتاب من المؤلفيين،والذين يستشهدون تارةًُ بالكاتب الفرنسي الشيوعي “روجيه غارودي”، وتارة بالصحفي البريطاني “باتريك سيل”، أو مؤرخ فلسطيني واحد وعدد من المصريين.

ويلفت “المبيض” أنه لم يكن في الكتاب لا ذكر أو إشارة إلى أي مؤرخ سوري، كم الكبار والأعلام والأقدر على كتابة تاريخ سورية،مثل” قسطنتين زريق أو نور الدين حاطوم أو ليلى الصباغ أو ساطع الحصري أو محمد كرد علي أو قتيبة الشهابي.”
و يتابع :أنه لم يتم التطرق حتى لذكرعلماء عرب وأجانب كتبوا الكثير عن سورية مثل “نقولا زيادة، أو فيليب حتي، أو ألبير حوراني، أو فيليب خوري.”

وينتقد “المبيض” استعراض الكتاب للشخصيات السياسية والوطنية السورية التي لا تأخذ بعين الاعتبار تقديم شرحاً أو سيرة ذاتية لأحد إلا للمرحوم سلطان باشا الأطرش والعقيد عدنان المالكي.

ومرت الكثير من الشخصيات التي تعتبر مؤثرة في التاريخ السوري ولها دور بارز، مرور الكرام من دون أي شرح، مثل “عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وجميل مردم بك ويوسف العظمة” ومنها ما لا يرد نهائياً في النص، مثل” خالد العظم وفخري البارودي ولطفي الحفار”.

ويستعرض “المبيض” الأخطاء التاريخية الفادحة كالحديث عن “مارك سايكس”، السياسي البريطاني الشهير، شريك اتفاقية «سايكس- بيكو»، الذي لم يكن مندوباً سامياً لبلاده في مصر، كما ورد في الكتاب (الصفحة 18) بل كان مستشار.

أما عيد الاستقلال الأول، الذي أعلن من المؤتمر السوري العام ورفضت مقرراته الانتداب ووعد بلفور، وتمت خلاله مبايعة الأمير فيصل ملكاً على البلاد، عقد بتاريخ 8 آذار 1920 وليس 7 آذار (الصفحة 29).

ويقول “المبيض”عن زيارة الجنرال هنري غورو لضريح صلاح الدين الأيوبي بعد احتلال دمشق عام 1920 (الصفحة 34). هذه القصة لا تتجاوز كونها راوية شعبية متداولة بكثرة بين الناس، لكنها حتماً غير موثقة، ولا يجوز إدخالها في منهاج حكومي رسمي.

ويغفل الكتاب وفق ما صوّب “المبيض آلاف المناضلات السوريات، من طبيبات وشاعرات وكاتبات، ولا يذكر أسماء مشرفة كان لهن دور كبير في نهضة الأمة السورية، مثل سارة مؤيد العظم زوجة عبد الرحمن الشهبندر.

وأغفل أيضاً ذكر عادلة بيهم الجزائري رئيسة الاتحاد النسائي، وماري عجمي صاحبة مجلة العروس، وبطلة ميسلون نازك العابد، والمدرسة الناصرية ثريا الحافظ، التي كانت أولى سيدة تترشح للمجلس النيابي، وغيرهن من الرائدات مثل وداد سكاكيني، وسلمى الحفار، وغادة السمان.

ويوضح “المبيض” أن علاء الدين دروبي كان رئيساً لوزراء سورية في آخر عهد الملك فيصل وليس حاكماً لمدينة دمشق كما يرد في الكتاب (الصفحة 39)، وعبد الرحمن باشا اليوسف كان أميراً للحج الدمشقي ورئيساً لمجلس الشورى، ولم يكن مجرد «وزير» في الحكومة.

ويقول”المبيض”أن الكتاب يورد “أنه في العام 1922 شُكلت «دولة سورية»، لكن في الحقيقة فإن الاتحاد السوري الفيدرالي هو الذي شُكل عام 1922 وليس «دولة سورية».

ويذكر الكتاب في الصفحة 41 أنه في عام 1925 تعرض الجنرال الفرنسي موريس ساراي لهجوم من ثوار الغوطة وهو في قصر العظم «فهرب إلى بيروت» وأمر من هناك بقصف مدينة دمشق،و صحح ذلك “المبيض” أن الجنرال ساراي لم يكن في قصر العظم.

و يقول الكتاب في الصفحة 43،إن الشيخ صالح العلي وسلطان باشا الأطرش كانا من أعضاء الكتلة الوطنية. هذا كلام غير صحيح تاريخياً، فالكتلة أسست في بيروت عام 1927 وعقدت أول اجتماع لهيئتها العامة في مدينة حمص عام 1932.

ويتابع”المبيض”أن الأطرش يومها كان منفياً في الأردن ومحكوماً عليه بالإعدام داخل سورية، ولدى عودته إلى دمشق بعد وصول الكتلة إلى الحكم عام 1936، كان من أشد المعارضين لحكمها، ولم ينتسب إليها قط طوال حياته.

وفي درس وفاة الرئيس الراحل تاج الدين الحسني يقول “المبيض”أنه توفي يوم 17 كانون الثاني عام 1943 وليس عام 1942 (الصفحة 47).

ويقول الكتاب في الصفحة 47 وفي شرح حادثة قصف المجلس النيابي الشهيرة يوم 29 أيار عام 1945 يقول الكتاب:إن جميع أعضاء المجلس استشهدوا في العدوان الفرنسي، والحقيقة التي بيّنها “المبيض” أنه لم يقُتل نائب واحد يومها وجميع الشهداء كانوا من الدرك والشرطة أو من المدنيين العُزل.

ولم يذكر الكتاب جيش الإنقاذ أو فوزي القاوقجي أو حرب فلسطين الأولى ولا دور الجيش العربي السوري في تلك المعارك الذي استطاع خلالها على الرغم من قصر عمره وسوء عتاده وقلة خبرة ضباطه وجنوده.

ويتابع”المبيض” في معمعة التشويه والتزوير تصويباته في الحديث عن انقلاب الزعيم، الذي لم يتعرض الكتاب بالمطلق لعلاقته السرية بالمخابرات الأميركية، ولا لتسليمه لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة إلى لبنان.

ويمطر الكتاب حسني الزعيم بمديح غير مبرر بالقول: «حاول كسب ثقة الشعب بعد قيامه ببعض الإصلاحات، بإقامة المشروعات المائية واستثمار مياه الفرات في إقليم الجزيرة والبدء في إقامة ميناء اللاذقية». (الصفحة 50).

ويصور الكتاب في الصفحة 49 صورة مغلوطة للرئيس الراحل شكري القوتلي ومعه وزير دفاعه خالد العظم، وأمامهما دبابة كتب عليها “الشهيد عدنان المالكي”، الذي كان حينها على قيد الحياة وفق تأريخ”المبيض للحادثة”.

وأرّخ كتاب التاريخ والمتشتت في الأحداث في الصفحة 70 للثورة العربية الكبرى والتي يجب ألا تغفل أحداثها عن أحد أنها كانت ما بين 1916- 1917 والصحيح أنها انتهت بدخول دمشق عام 1918 وليس عام 1917.

وفي حيّز تصحيح”المبيض” للكم الهائل من الوقائع المغلوطة اكتشف المبيض أن الكتاب نصّب “dallas “وزيراً لخارجية أميركا في الخمسينيات ونحّى” John Foster Dulles “.

كثيرةٌ هي المعلومات والحقائق المزورة و التي تعرضت للتشويه في تفاصيلها الجوهرية ،والتي طالت جوانب عدة من الماضي السوري،فلا يغفل على أحد على سبيل المثال الأضرار المؤلمة التي طالت الآثار في الآونة الأخيرة من قبل المسلحين .

لكن الأكثر إيلاماً هو الأضرار الفكرية التي يصنعها من يعتبرون أنفسهم من مؤسسي المناهج الدراسية، وإخراجها على نحوٍ مغلوط لينشأ بعدها جيلٌ تشرّب أحداث تاريخِ بلاده مشوهةً ويمسي بلا أسسٍ سليمةٍ يتخذها مرجعاً ليذود الأذى عن سوريته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى