كاسة شاي

صفحة “زميل وجيه: نعم زميل جوزيف.” – أهلاً بالسخرية، وداعاً للأحرف اللـ(ـسـ)ـوية!

 

“صفحة رياضية سورية ساخرة..” – هكذا تبدأ صفحة “زميل وجيه: نعم زميل جوزيف.” على “فيس بوك” التعريف بنفسها. لكن تكملة التعريف: “أهلاً بالجميع تحت سقف هازا الوطن” تنبئ بأن الصفحة لن تكتفي بالقضايا الرياضية، بل ستسخر من الخطاب الإعلامي الرسمي السوري بأكمله من خلال ترديد كليشيهاته المبتذلة. انتقاد الرداءة من خلال اجترارها بشكل ساخر – هذا بالضبط ما تحققه الصفحة في كل منشوراتها بنجاح باهر.

يشير اسم الصفحة إلى اثنين من أشهر الإعلاميين الرياضيين السوريين: وجيه شويكي و جوزيف بشور، و يحيل إلى برنامج “ملاعبنا الخضراء” الذي كان يُبث عبر أثير إذاعة دمشق و يقدم تغطية مباشرة لمباريات الدوري السوري لكرة القدم.

البرنامج الذي كانت تزخر حلقاته بـ”الأخطاء و العثرات”، بنى جماهيريته على قاعدة “لسنا الأفضل، لكننا الوحيدون”، ما جعل منه محط سخرية لاذعة و متابعة كثيفة في الوقت نفسه.

اللغة الجوزيفية
من ناحية الأسلوب، تلتقط الصفحة سوء نطق المعلقين الرياضيين السوريين للغة العربية، لتحوله إلى لغة قائمة بحد ذاتها: اللغة “الجوزيفية” هي اللغة الرسمية حسب “دستور الصفحة”. هكذا، تختفي الأحرف اللثوية (“للمرة السانية”، “جولة الزهاب”)، و تتحول بعض حركات التشكيل إلى أحرف صوتية: (“يا زوملاء”، “الموباراة”).

و الأمر لا يتوقف عند شكل الكتابة، فللغة “الجوزيفية” قاموسها الخاص المستند إلى بنك من “نهفات” المعلقين السوريين؛ كعبارة “ليس المهم الفوز… المهم المشاركة في هازا العرس الكروي” التي تمثل سخرية مزدوجة من الأداء السيئ لمنتخباتنا الكروية المتعاقبة خلال فترة طويلة، و من الإعلام الرياضي الرسمي السوري الذي اعتاد تبرير الخسارة و تهوينها، بدلاً من القيام بالدور المطلوب منه في النقد و التحليل.

وإلى جانب كونها وسيلة للسخرية، منحت اللغة “الجوزيفية” الصفحة هوية خاصة بها و مكّنتها من تحقيق انتشار واسع بسرعة كبيرة.

من الرياضة العالمية إلى الأزمة السورية
تغطي الصفحة أهم الأحداث في عالم كرة القدم محلياً و دولياً بطريقة ذكية تدل على إتقان القائمين عليها لمختلف أشكال السخرية، بدءاً من اللعب البسيط على الكلمات (إيدين هازارد يسمى “إجرين هازارد”، و آرسين فينجر “الإصبع”) و انتهاء بالـ “كوميكس”، و التي تقوم على تناول حادثة ما بطريقة كاريكاتيرية، باستخدام مشاهد مألوفة من المسلسلات أو الأفلام أو الفيديوهات المنتشرة على الإنترنت.

إلا أن الإبداع الحقيقي للصفحة يتجسد في إسقاط الأخبار الرياضية العالمية على الوضع السوري، من خلال إعادة صياغتها باستخدام رصيد هائل من المفردات الشعبية و الإعلامية و السياسية المألوفة في سوريا؛ و خاصة مع تضاعف هذا الرصيد كماً ونوعاً بعد اندلاع الأزمة السورية في آذار من عام 2011، أي بعد شهرين فقط من إنشاء الصفحة.

فوفقاً لتقريرها حول “الكلاسيكو” (أو “الكلاسينو” وفق تسمية الصفحة)، أقيمت المباراة “تحت رعاية وزير المصالحة الإسباني أليخاندرو حيدر مراتينوس”، مع إشارات واضحة إلى مباراة حلب “الودية” الشهيرة التي تواجه فيها فريق لكرة القدم من عناصر الجيش السوري مع فريق آخر من المسلحين.

يمتلئ “تايملاين” الصفحة بالعديد من الأمثلة المشابهة، و التي يلامس بعضها في جرأته الخطوط الحمراء. و تكشف هذه الأمثلة أن الصفحة، بقدر ما تسخر من الأحداث الرياضية، فهي تجعل في الوقت نفسه من هذه الأحداث وسيلة لتناول أهم القضايا السياسية و الاجتماعية و الإعلامية في سوريا، بطريقة نقدية لا تُفقدها اللهجة المرحة قوتها و حدة ذكائها.

و للصفحة أيضاً دستورها الخاص الذي يحمل إشارات سياسية نقدية واضحة (كالمادة “السامنة”)؛ إضافة إلى الإعلان عن التوجه السياسي تحت مسمى رياضي، من خلال المادة السادسة التي توضح شروط العضوية في “عربة البس”، حيث ينص الشرط الخامس على أن يكون العضو “من مشجعي نادي الجيش العربي السوري”.

و يقول علي، و هو أحد المشرفين في الصفحة لتلفزيون الخبر ، إن الهدف من الصفحة “كان في البداية مقتصراً على السخرية الرياضية”، و إن “الإشارات السياسية جاءت عفوياً مع مواكبة الظروف التي فرضت نفسها على البلد”.

و يرى علي أن شريحةً كبيرة من السوريين “وجدت فينا منبراً يعرف كيف يواجه الهجمات الإعلامية ضد سوريا بهجمات مضادة تعتمد على السخرية، و هو ما عجز عنه الإعلام الرسمي المصاب بالجمود.”

و يضيف علي: “لسنا نادمين على إعلان تأييدنا المطلق للجيش العربي السوري رغم أن ذلك كلفنا عدداً لا بأس به من المعجبين بالصفحة”.

و يؤكد علي في المقابل أن التوجه السياسي المؤيد للدولة السورية لا يمنع، بل على العكس يفرض، “استخدام السخرية للنقد البناء و التعبير عن مطالب الناس”.

و هنا تلجأ الصفحة إلى الصور الرياضية مرة أخرى، مع تعديلات بسيطة و بليغة: لنجد مثلاً فريق تشلسي يرفع “جرة غاز” بدلاً من كأس دوري الأبطال بعد تتويجه باللقب الأوروبي عام 2012.

جوزيف بشور “خجّلنا”
في المجتمع الافتراضي للصفحة، يتحول “الزميل جوزيف” إلى نجم مطلق، يمارس أعضاء الصفحة طقوس الإعجاب فيه إلى درجة الهوس. هكذا نجده قد أصبح “بابا نويل” في عيد الميلاد، و “دراكولا” في الهالوين، و “موديل” لأهم الماركات العالمية.

هنا يسير القائمون على الصفحة على حبل رفيع، إذ يتحتم عليهم تقديم كل هذه السخرية دون الوقوع في الإهانة الشخصية، مع احترام سن جوزيف بشور و المكانة التي يشغلها في تاريخ الإعلام الرياضي و ذاكرة السوريين على حد سواء. فهل نجحوا في هذا الاختبار الصعب؟

هذا ما يؤكده الإعلامي جوزيف بشور بنفسه. ففي مقابلة صحفية قال بشور أن القائمين على الصفحة “ظراف”، و أن الصفحة لا تزعجه لأن “ما فيها إساءة…”، بل على العكس “فيها محبة”، و أضاف بشور أنه يتابع الصفحة بانتظام و يحتفظ بكل منشوراتها.

يقول علي حول ذلك: “لقد أصبحنا في عام 2017، و لم يعد أحد خارج نطاق السخرية. و أن تكون هدفاً للسخرية، لا يعني أبداً أنك فاشل – على العكس تماماً. و الهدف من الصفحة أساساً ليس السخرية من شخص بشور بل من الوضع الرياضي و الإعلامي الرديء.”

و يضيف علي: “أعترف أن جوزيف بشور “خجّلنا” – بمعنى أنه فرض احترامه علينا – حين تعاطى مع الموضوع بروح رياضية نادرة، بينما اتهمَّنا غيره من الإعلاميين بأننا “شباب فاضي”. و هذا ما جعلنا أكثر حرصاً على تدقيق منشوراتنا للتأكد من خلوها من أدنى إشارة قد تمثل تجريحاً شخصياً له”.

علاقة مميزة مع المعجبين… و التطوير مؤجل
احتفلت الصفحة مؤخراً بعيد ميلادها السادس و في رصيدها ما يقارب 135 ألف متابع، مرسخة مكانتها في مواقع الصدارة في مجال السوشال ميديا على مستوى سوريا.

يتحدث علي بفخر عن العلاقة الوثيقة مع معجبي الصفحة، و التي تجسدت في الحملات الإلكترونية ضد خصوم المنتخب السوري قبل كل مواجهة، و التي أخذت صدى حتى في وسائل الإعلام العالمية.

و مع أن رصيد الصفحة الشعبي، و موهبة القائمين عليها، يتيحان التفكير في تطوير التجربة باتجاه الإعلام السمعي أو البصري، فإن علي لا يتوقع حدوث ذلك قريباً:
“هناك للأسف الكثير من الأفكار أو الأحلام التي لم يتح لها التحقق نتيجة الظروف التقنية و المعيشية و الاجتماعية، التي جعلت من الصعب الحفاظ على نشاط الصفحة على الوتيرة نفسها، ناهيك عن محاولة إطلاق مشاريع جديدة”.

و يختم علي بأن التفاعل الكبير للمعجبين هو الذي يدفع القائمين على الصفحة إلى “بذل كل ما في وسعهم لإبقائها فعالة قدر الإمكان”.

رابط الصفحة على “فيس بوك”: https://www.facebook.com/zamilwajih

إيهاب معروف – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى