“ أنا حشاش بس ما بحشش “ .. حكاية “ مُشرّد كول “ في شوارع دمشق
المكان: دمشق،على بُعد مئة مترٍ تقريباً من باب التكية السُليمانية
الزمان: في أي وقت، وساعة، وفي كل الفصول والمواسم.
بذبذبات صوته غير المفهومة ، والتي لا يعيها إلا من دقق بها، وبحركاتٍ عبثيةٍ ليديه والتي يأخذها هنا تارة وهناك تارةً أخرى يُعرّف عن نفسه ب”عبد الرحمن حشاش” ويُرفق ذلك بعبارة “بس أنا ما بحشش”
يقول “ عبد الرحمن “ أنه ترك مدينته إدلب ناحية “سلقين”قبل ثمان سنوات ، يعني قبل الحرب ، أي حرب ؟! يستغرب عبد الرحمن ، ويكمل “ ليش عنا حرب ؟! : أنا بعرف إنو الحرب كانت من ٤٠ سنة .
ربما لا يعرف عبد الرحمن بأمر الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ست سنوات ، وربما يعتقد أن الحرب تكون فقط مع “ إسرائيل “ وأن الأذناب مجرد أذناب ، وربما كان “ يتخوّت “
هو رجل سبيعيني، أشعث الشعر، طويل الذقن،يداه متسختان بشكلٍ ملحوظ جداً، يضع حذاءه على مقربة كبيرة منه، وهيئته توحي بسنوات تشرده الطويلة.
يقول :”أجلس هنا منذ سنوات طويلة، وعند اشتداد الأمطار “ببرك بالكولبة”، ويساعده كثير من أهل الخير بحسب وصفه لهم، قائلاً”إن خليت خربت”
يفترش خزان مياه قديم ، وبتكئ على “بطانية متآكلة” ،يأكل من الطعام الذي يجلبه له أصدقاءه وفق قوله، لكنه تراجع قائلاً” : رفقاتي “مافي بيني وبينن غير مرحبا”
يسرد قصصاً من التاريخ والتي أرجعها لأربعين عاماً مضت ،عن ( المجتمع والوطن) وعن الحياة الهانئة التي كان يعيشها قبل فقره مُعبّراً عن ذلك بعبارة ” قبل ما صير على الحديدة”.
والملفت ،أنه ينكر معرفته بأي شيء عن ما يدور في سوريا منذ ست سنوات، ويصرّ على أن سوريا بأحسن أحوالها ،لكنه يجد أن هناك حروباً نفسية يعيشها البشر .
ويرجع الحال النفسية السيئة لانعدام الأمان ،والذي يشعر به كثيراً عندما يذهب لشراء علبة سجائر ، ويعود إلى مقره ليجد أغراضه مسروقة.
وربما أيضاً في عدم اعترافه بوجود حرب في سوريا، تنكراً لها، واستهجاناً لأمرها ويبدو أنه يفضل الاحتفاظ بذكريات الحروب التي مرت عليه في شبابه فقط.
يتابع: أنه لايحب ولا يرغب أبداً بالعيش مع أحد، ويقول” الأخ مافيه خير لأخوه”،ولايحب أن يذهب لدار لرعاية المسنيين، لأنهم حتماً لن يعاملوه معاملة حسنة.
أما عن أولاده ال25 ( على حد زعمه ) المتفرقين في أنحاءٍ لايعرفها، يصفهم “بالعاقيين لأبيهم” فهو يحبهم ويشتاقهم لكنه لا يود رؤية أحداً منهم، وكان يعمل طوال الليل والنهار إلى أن أصبحوا “رجالاً”.
وكانوا هم والظروف عليه، عندما كان يعمل على سيارة “تاكسي”، طوال اليوم ليؤمن لهم لقمة العيش، وكان يعمل بتجارة الخردة، إلى أن أعلن إفلاسه وتخلى أبناءه عنه.
يُذكر أن قسمات وجه الرجل،تحكي قصصاً، وتسرد أحداثاً غامضة، أخفاها النسيان أو تحفظه عن ذكرها ،و ربما أيضاً لم يسرد جميعها لكنها جليّة جداً ويمكن اكتشافها بسرعة دون حتى التدقيق بتلك القسمات كثيراً.
ولا يمكننا الجزم بأنه لايوجد حالات مشابهة لحالته في دمشق أو في أي من المدن السورية،لكن هذا الرجل بكلامه، وأسلوبه، وتناقضاته الكثيرة ،وحتى ادعاءاته ، يثير الجدل.
وربما يكون الكثير مما قاله ليس دقيقاً، والأهم من ذلك تنكره للحرب الحالية في سوريا ، وسرده لأسماء شخصيات يدّعي بأنهم أصدقاءه، في كل ذلك بل وأكثر الكثير من إشارات التعجب والاستفهام.
يتابع الرجل “ المتشرد الكول “ اتكاءه على بيته الحديدي ، ونتابع مسيرنا ، نروي ما قص علينا ، وتستمر الحياة لعبة بين ما يقال وبين ما تخفيه التجاعيد تحتها من قصص تروى وأخرى تموت مع صاحبها
روان السيد – تلفزيون الخبر