الولادة من بعد الموت .. حقائق يرويها التاريخ عن عودة ألمانيا
بعد خسارة ألمانيا للحرب العالمية الثانية واستسلامها للحلفاء ، ضُم إقليم السوديت إلى تشيكوسلوفاكيا، و بومرن وشليزيين إلى بولندا، بروسيا الشرقية قسمت بين بولندا والإتحاد السوفياتي. وعادت النمسا من جديد دولة مستقلة تحت اسم جمهورية النمسا.
وقسمت دول الحلفاء ألمانيا المهزومة إلى أربعة قطاعات، هي ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية ومقاطعة السار ومقاطعة الرور، وببناء جدار برلين في العام 1961م تم تقسيم ألمانيا إلى جمهوريتين، الأولى: جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية (ألمانيا الشرقية) والثانية: جمهورية ألمانيا الإتحادية (ألمانيا الغربية).
بعد استسلام المانيا للحلفاء عام 1945م كانت ألمانيا حطام دولة لديها نحو سبعة ملايين قتيل ومفقود بسبب الحرب ، ومدنٌ كاملة سويت بالأرض ، كما أن البنية التحتية الألمانية كانت قد دمرت بشكل كامل ، فضلاً عن أن قوات الحلفاء كانت قد نهبت المصانع والآلات تماماً.
شعب ألمانيا بعد الحرب كان عبارة عن أطفال وشيوخ ونساء كن – بجزء كبير منهن – شاهدات على الاغتصاب الجماعي الذي قامت به القوات البرية التي اجتاحت ألمانيا في ذلك الوقت. فانتشرت فكرة الانتحار حينها كنتيجة للدمار النفسي والاجتماعي ، لتتلوها فكرة “النهوض من القاع” في ظل الغياب التام للحكومة الألمانية .
بدأت النساء والشيوخ ومن كان متأملاً للدمار بجمع الأنقاض لإعادة بناء البيوت، فجُمعت الأوراق والكتب من تحت الانقاض لفتح المدارس، و كُتب على بقايا الجدران المحطمة شعارات تبث الامل وتحث على العمل، وكان من أكثرها انتشاراً :لا تنتظر حقك ،افعل ما تستطيع ، ازرع الأمل قبل القمح.
لتشهد بعد ذلك ألمانيا ما بين عامي 1945 و 1955 م مرحلة بناء البيوت وسميت النساء في هذه الفترة “نساء المباني المحطمة” ، لينال المنتخب الألماني عام 1954م كأس العالم ، كانعكاس على الروح المتحدية حينها لظروفهم القاهرة.
وما بين عامي 1955 و1965م شهدت ألمانيا مرحلة بناء المصانع، حيث تم استقدام عمال أتراك لبنائها . وما بين عامي 1965 و1975م ، ظهرت رؤوس الأموال و رجال الأعمال، وتكفل كل رجل أعمال بتدريب وتعليم خمسين شاباً .
مع سقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا فتحت الأبواب بين الألمانيتين، وتم أخيرا وفي عام 1990 م ، ضم جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى جمهورية ألمانيا الإتحادية ، وعرفت العملية باسم الوحدة الألمانية، وعادت إلى ألمانيا سيادتها الترابية بعدما فقدتها لأكثر من 45 سنة.
وقد تم اعادة اعمار ألمانيا بشكل جميل، وبطريقة متقنة بالنسبة للمباني والطرق، وكذلك بالبنية التحتية المتطورة بالرغم من أن إعمار الجزء الشرقي من ألمانيا استغرق وقتاَ طويلاً.
واليوم أصبح الاقتصاد الألماني رابع أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة والصين واليابان كواحدة من أكثر الدول صناعةً للسيارات والآلات والمواد الكيميائية والمعدات والأدوات المنزلية، وكرائدة في إنتاج الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم، كما توجد لديها 37 شركة من أكبر 500 شركة في العالم في مجال أسواق الأسهم العالمية.
ويحتل التعليم والبحث العلمي أهمية بالغة في ألمانيا بعد اعادة اعمارها بوجود 383 مؤسسة للتعليم العالي ، منها 103 جامعات و176 معهدًا تخصصيًّا عاليًا. ويقارب عدد الدارسين 2 مليون دارس، وتحتل المرتبة الأولى في أوروبا من حيث عدد براءات الاختراع.
اعتقد من عاصر حالة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أنها لن تعود يوماً لتحمل حتى نواة دولة ، الا أنها استحقت الولادة من بعد الموت بقوة نسائها قبل رجالها ، وبمن نهض بها من القاع لتغدو ماهي عليه اليوم من دولة ديموقراطية، اشتراكية، تشريعية، وفي صدارة الدول الغنية والمتقدمة علمياً واقتصادياً.