محمد الماغوط .. وفى وطنه
ولد محمد الماغوط في سلمية بمحافظة حماة عام 1934م، هو ابن لأسرة فقيرة عمل فيها والده “أحمد عيسى” فلاحاً أجيراً في أراضي الآخرين طوال حياته ، وكانت والدته ” ناهدة ” تنتمي لنفس العائلة ، وكان الابن الأكبر في أسرة تضم ستة أخوة، يذكر الماغوط أنه حين كان في السابعة من عمره خرج أول مرة ليرعى الخراف.
كانت حياة الماغوط التعليمية محدودة، حيث تلقى بداية تعليمه في الكتاب ،ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية و أتم فيها دراسته الإعدادية، كان وقتذاك في الرابعة عشرة من عمره حين تعرّف على “سليمان عواد” الذي عرفه على الشعر الحديث ويعتبره الماغوط معلمه الأول .
انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية “خرابو” بالغوطة، وكانت عبارة عن معهد داخلي، حيث أرسل والده رسالة إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه فقاموا بتعليقها على أحد جدران المدرسة مما جعله أضحوكة زملائه؛ الأمر الذي دفعه إلى الهروب من المدرسة والعودة إلى سلمية .
و بعد عودته إلى السلمية انتسب الماغوط الى الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، وكان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وهو ذكر بحسب مصادر متقاطعه أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فانضم اليه لينسحب منه في الستينيات.
عمل الماغوط فلاحاً وبدأت بوادر موهبته الشعرية فنشر قصيدة بعنوان “غادة يافا” في مجلة “الآداب البيروتية.” بعدها قام بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة “لاجئة بين الرمال” التي نُشِرَت في مجلة “الجندي” عام 1951، وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية.
ليكون اغتيال عدنان المالكي في نيسان عام 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتهم الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحبس في سجن المزة حيث بدأت حياته الأدبية الحقيقية، ليتعرف على الشاعر “أدونيس” الذي كان في الزنزانة المجاورة.
خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخول لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، وهناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة “شعر” حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة “شعر” بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة.
وفي بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة ،وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي أصبحت زوجته لاحقا)وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة «النهار» لأحسن قصيدة نثر.
عاد الماغوط إلى دمشق اسماً كبيراً، وصدرت مجموعته الأولى “حزن في ضوء القمر” عن دار مجلة شعرعام 1959م، ثم عن الدار نفسها بعد عام واحد مجموعته الثانية “غرفة بملايين الجدران” عام1960م ، وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية وأمضى فيه ثلاثة أشهر، تزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه شام وسلافة.
و في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة “الشرطة” حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان “الورقة الأخيرة”، وفي تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرة للتعبير من أشكال الكتابة ، فكانت مسرحياته المتوالية “ضيعة تشرين” و”غربة”، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة ودون تعقيد.
ويعد الماغوط أحد الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة “تشرين” في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب” زكريا تامر” على كتابة زاوية يومية في عام 1975 ، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب “أليس في بلاد العجائب” في مجلة “المستقبل” الأسبوعية، وكان لمشاركاته الدور الكبير في انتشار “المستقبل” في سورية.
وكانت الثمانينات مرحلة قاسية في حياة الماغوط حيث توفيت شقيقته ثم والده وبعده توفيت وزوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل معه ومع السرطان ،وكانت نفقة العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بحياتها، وبعد سنوات كانت وفاة أمه ، وقد تركت هذه المآسي المتلاحقة الأثر الشديد على نفسه وأعماله وكتاباته.
وفي يوم الاثنين 3 نيسان 2006م رحل محمد الماغوط عن عمر 72 عاماً وذلك بعد صراع إمتد لأكثر من عشر سنوات مع الأدوية والأمراض لتنتهي حياة أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، وكذلك الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، لتبقى أعماله حية وشهيرة الى يومنا هذا .
ويذكر من أعماله: الأرجوحة و شرق عدن غرب الله ، والفرح ليس مهنتي،سياف الزهور والعصفور الأحدب، وادي المسك و حكايا الليل و غربه و شقائق النعمان وضيعة تشرين وكاسك ياوطن ، و فيلمي التقرير و الحدود ، وغيرها الكثير من المؤلفات التي أغنت الفكر العربي.
ونال الماغوط جوائز عديدة في حياته تقديرا على انجازاته منها: جائزة “احتضار” وجائزة” سعيد عقل” و جائزة “سلطان بن علي العويس” الثقافية للشعر، وصدر مرسوم بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة من الرئيس الدكتور بشار الاسد عام 2005م .