محليات

وماذا عن العلم الذي فقد رمزيته ؟.. سوريون موالون ومعارضون يتحدثون

“علم أبو تلات نجوم”، “علم الاستقلال”، “علم الثورة”، “علم الانتداب”، أوصاف كثيرة أطلقت على علم الجمهورية العربية السورية الذي يعتبر جزء من السوريين أنه فقد رمزيته التي كانت جامعة لأبناء سوريا.

وقبل اندلاع الحرب في سوريا، وفي 17 نيسان من عام 2010 أثناء الاحتفال بعيد الجلاء في مدينة حلب، التي عانت ما عانته جراء المتبنين لهذا العلم، رفع “علم الاستقلال” بطول حوالي 3 أمتار، باعتبار أنه علم البلاد إبان الاستقلال، أو حتى باعتباره علمًا للانتداب الفرنسي وهي الحقيقة التي “صرعت راسنا فيها” مسلسلات البيئة الشامية من باب الحارة وأشكالها.

وينظر سوريون كثر حالياً، الطرف الموالي للدولة السورية وبعض من أنصار “الثورة” من ذوي التوجه العلماني أو غير المتشدد، لهذا العلم نظرة أخرى، فمن رأى أن رفع هذا العلم في الأمس القريب عام 2010 أمراً طبيعياً، يرون اليوم فيه خطراً كبيراً.

واتخذ أنصار “الثورة” في سوريا ، من أول عام للحرب ، هذا العلم شعاراً لهم، مستبدلين فيه العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية، وتحول “علم أبو تلات نجوم” من جزء من تاريخ سوريا القديم إلى رمز “بغيض” عمل حاملوه على تغيير هوية البلد، وجزء من المؤمنين بذلك يرونه شعاراً اتخذ تمهيداً لتدمير البلد.

واتخذت تجمعات سورية “معارضة” مدنية أو عسكرية، من قبيل ما يسمى بـ “المجلس الوطني السوري” أو”الائتلاف السوري المعارض” أو بقايا تنظيمات ما يعرف بـ “الجيش الحر”، من هذا العلم شعارا لهم، ورفعوه في اجتماعاتهم ومظاهراتهم.

ورفع في إحدى جلسات مجلس الجامعة العربية أمام الوفد السوري الذي تم دعوته بدلاً من الدولة السورية التي علقت عضويتها منذ 2011، وللصدفة التاريخية فإن وفد المعارضة السورية وقتها كان رئيسه الشيخ معاذ الخطيب، وهو حفيد الشيخ تاج الدين الحسيني الخطيب الذي أقر هذا العلم خلال فترة رئاسته للجمهورية في عهد الانتداب الفرنسي.

وبدأ استخدام هذا العلم تاريخياً عام 1930 من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، حين أصدر المندوب السامي الفرنسي هنري بونسو المرسوم رقم 3111 الذي نص على صياغة سورية لـ “دستور الجمهورية السورية”، وعند صدور الدستور فيما بعد أشار إلى أوصاف العلم في المادة الرابعة من الباب الأول.

يذكر أن هذا الدستور أقر كقانون ونُشر في الجريدة الرسمية العدد 12 ملحق تاريخ 30 شباط 1932 في الصفحة 1، ومن المعروف أن القانون لا يعمل به الا بعد نشره في الجريدة الرسمية، وهو عرف قائم حتى الان، أي أن الدستور أقر لكن لم يعمل به بعد اصداره الا بنشره وذلك بعد سنتين و بأمر من المفوض السامي الفرنسي، ورفع لأول مرة في سماء سوريا في 12 حزيران عام 1932.

وظل هذا العلم مستخدماً في وقت الانتداب بعد فشل التقسيم الفرنسي، واستقلت سوريا من الانتداب تحت رايته، حتى تم تغييره عام 1958 إبان الوحدة بين سوريا ومصر، وأعيد الترويج له في أول سنة من الحرب السورية، تمثيلاً لما حدث في ليبيا بعد “الثورة” حيث اتخذ “ثوارها” من علم الملكية القديم شعاراً بمقابل العلم الرسمي الذي كان للدولة الليبية.

فيما يرى سوريون كثر أن هذا العلم له دلالة واحدة، والتي تم إقراره بالأساس لها، حيث يرمز للتقسيم والنجوم الثلاث الحمراء ترمز إلى الدويلات الثلاث التي قسمت سلطات الانتداب البلد حينها على أساس طائفي، ومثلت النجمة الأولى دويلات حلب ودمشق ودير الزور، والنجمة الثانية تمثل جبل الدروز، أما النجمة الثالثة تمثل دويلة اللاذقية.

وأتت ردة الفعل من السوريين الرافضين استخدام هذا العلم أو الرافضين للعلم ككل على أكثر من جهة، فراس أحمد طبيب سوري من طرطوس قال لتلفزيون الخبر “مجرد تغيير العلم من بداية “الازمة” أدى لانفصام وشرخ كبير بين السوريين، علم الدولة يمثل الانتماء لها، ومن رفع العلم نسف هذا الانتماء، واستخدام هذا العلم كان في الأساس لبدء شرخ نراه حاليا”.

وأضاف فراس، 26 عاماً، “أول مرة رأيت هذا لعلم بعد الحرب شككت بميول أغلب من حمله، الآن بالنسبة لي هذا العلم انحلت الوانه وأصبحت اسود وفقط أسود”، مردفا “بالنسبة لي هذا العلم لا يفرق عن اعلام “جبهة النصرة” و”داعش”، علمي هو صورة عن انتمائي لوطني وهذا العلم ارتبط بالحرب واللانتماء لدي”.

من جانبه، قال رئيس جمعية “نحنا” الثقافية المحامي رامي جلبوط لتلفزيون الخبر أن “هذا العلم جزء من تاريخ البلد، وتم اختطافه كما تم سابقا اختطاف الزي الفلسطيني الشعبي لصالح شركة “عال” للطيران “الاسرائيلية”، مضيفا “هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن أتخلى عن منتج ثقافي (العلم) خاص بالشعب السوري لأن جهة ما تبنته”.

وأكمل المحامي جلبوط “هذا العلم هو ملك لكل الشعب السوري وليس لطيف واحد، وتحت هذا العلم استشهد سوريون يقاتلون الاحتلال “الاسرائيلي” في 1948، ومثل سوريا في المحافل الدولية قبل إقرار العلم الحالي، واختطافه هو جزء من حملة لتشويه التاريخ السوري”.

وقال عبد الله كزو، معارض سوري مغترب في ألمانيا، “علمي هو علم سوريا الحالي، ومحاكاة ليبيا بتوصية من ليفي كان الكارثة التي جعلت سوريا تسير على خطى ليبيا في الخراب”.

وتابع كزو “العلم القديم هو جزء من تاريخ سوريا، لا يمثلني حالياً، ولكن إهانته والصور التي تبين الدوس عليه وغيرها غير مقبولة بالنسبة لي أبدا”، “ومنطقياً هذا العلم “دحة” أمام الرايات السوداء البيضاء التي خرجت فيما بعد”.

فيما يختلف غياث تفنكجي، صحفي سوري معارض، بالرأي، “أنا لم أكن اهتم بلون العلم قبل “الثورة” وكنت اعتبر العلم الحالي للدولة علمي وافتخر به كونه يعطيني هوية معينة، و”العلم الأخضر” كنت أراه في المسلسلات فقط عندما كانوا يحتفلون به بالانتصار على فرنسا، في أول مظاهراتنا كنا نرفع العلم “أبو نجمتين” الحالي”.

وأضاف تفنكجي “برأيي أن قصة العلمين هي خاسرة للطرفين، العلم هو راية قيمتها لا تتجاوز سعر الخيوط التي نسجتها إن ساهمت بسكب قطرة دم، و”المعارضة” حصرت “العلم الأخضر” بها وحرمت المؤيدين من أن يفتخروا بجزء من تاريخهم، والموالاة فعلت ذلك مع علم الدولة السورية، مع أنه لا يحق لأحد أن يمتلك الرايات ويحصرها فيه”.

وأكمل تفنكجي، المقيم حالياً في اسطنبول، “برأيي حالياً رفع كلا العلمين يسبب شرخاً بين السوريين، في مفارقة محزنة كون غاية أي راية هي توحيد الصفوف لا تفريقها، ولكن كيف ترفع راية يرفعها من في وجهي؟ فرفعنا علم هو بالأصل علم سوري ورمز للحرية وكانت الدولة ترفعه في عيد الجلاء، وهو أشبه باتخاذ موقف، ولن أعود لعلم الدولة الحالي ولن أطالب بحقي فيه”.

فيما قال أحد السوريين المغتربين، والذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه “بالنسبة لي العلمين انهزت رمزيتهم، فعلم النجوم الثلاث أصبح علماً خاصاً بالتنظيمات “المعارضة”، وعلم الجمهورية الحالي أصبح يستخدمه الموالون للتعبير عن اصطفاف ما أصغر من الانتماء للوطن ككل”.

وأضاف السوري، الذي ينتمي لأحد مناطق ريف دمشق التي شهدت أحداثا أمنية، “أنا بصراحة لم أكن أعرف هذا العلم من قبل 2011، وكنت اعتبره علما للانتداب الفرنسي، ومرتبط بمسلسل باب الحارة، “هاد علم أبو جودت”، مشيراً “ولكن هناك احترام ما لهذا العلم كونه جزء من تاريخ سوريا، وصور الدوس عليه بالأحذية وما شابهها من صور مهينه له مرفوضة بالنسبة لي”.

يذكر أن “علم أبو تلات نجوم” حاليا يقتصر استخدامه على نطاق ضيق، وتتخذه تجمعات “المعارضة” السياسية في الخارج وبعض الشخصيات “المعارضة”، وبعض من بقايا تنظيمات “الجيش الحر”، بينما بقية التنظيمات لم تستخدمه حتى أن تنظيم “جيش الاسلام” الممول سعودياً كان غير شعاره الشهر الماضي وتبنى هذا العلم لمدة ساعتين فقط ثم عاد لاستخدام شعاره الاسلامي المتشدد.

وكانت مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” الأمريكية نشرت صورة قديمة تعود لعام 1946 تبين فيها فرحة أبناء محافظة دير الزور بعيد الجلاء، كما ظهر العلم في مسلسل “عائلة سيمبسون” الذي صور طائرات أمريكية تقصف سيارات مسلحين رباعية الدفع رسم عليها هذا العلم وذلك في عام 2006 حين كان هذا العلم فقط جزءا من تاريخ سوريا القديم.

علاء خطيب – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى