العناوين الرئيسيةفلاش

“في أمل” .. تعرف على المعجزة اليابانية وكيف قامت من تحت الرماد؟

خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية بخسارة عسكرية واقتصادية كبيرة، لكن ذلك لم يمنعها من النهوض الصناعي والاقتصادي خلال فترة وجيزة، مستفيدة من خطوات كانت بدأت بالسير فيها قبل الحرب، وتغييرات في الخطط الاقتصادية أثبتت صحتها، محولة الخسارة إلى نمو لايزال مستمراً.

المعجزة اليابانية

ليس لليابان من مصادر الثروة الطبيعية إلا القليل، كذلك لم تكن اليابان دولة علمية لها علماء او مفكرون او فلاسفة بارزون فى ذلك الوقت، كما أنها لم تكن دولة صناعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل كانت اقرب الى الدول الزراعية.

تبنت اليابان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر سياسة شاملة للتحديث في مسعى للحاق بركب الغرب الصناعي تحت شعار “تنمية القوة الاقتصادية والعسكرية للبلد”.

وبحسب موقع “اليابان بالعربي” عكس النمو في الناتج المحلي الإجمالي للفرد في اليابان في الفترة ما بين عامي 1870 و1940 النجاح الاقتصادي لهذه الحملة، والتي استمرت حتى ما قبل الحرب.

ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية عكس فجأة ذلك التقدم، في الواقع فإن الحرب أعادت الاقتصاد الياباني الحديث إلى المربع الأول فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي للفرد، وهو ما يلغي عملياً كل المكاسب التي حققها منذ نهاية القرن التاسع عشر.

وبذلك فقدت ’’المعجزة‘‘ اليابانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الكثير من بريقها منذ تسعينيات القرن العشرين، عندما سقط اقتصاد البلاد في فترة ركود طويلة تلت مرحلة اقتصاد الفقاعة.

واقتصاد الفقاعة هي ظاهرة تبدأ بتوسّع سريع في السوق، يليها انكماش حاد فيه، فعندما تتسبب المضاربة على سلعة ما، في ارتفاع سعرها لحد مستويات خيالية مع استمرار المضاربة عليها، ويُتبع عادة بانهيار وهبوط حاد ومفاجئ لسعرها، بما يشبه انفجار الفقاعة.

ولأن الارتفاع الجنوني يكون أشبه بانتفاخ البالون الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل لأقصى حده من تحمل ضغط الهواء فينفجر، وهو نفس ما يحدث للأسعار مع صعودها الجنوني إذ تهبط بشكل متسارع تماماَ كما كان ارتفاعها.

خرج الاقتصاد الياباني المنهار بسرعة من تحت رماد الحرب العالمية الثانية، وبحلول عام 1956، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد مستوى عام 1940 ما قبل الحرب.

وخلال فترة التعافي التي امتدت بين عامي 1945-1956، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بما متوسط معدله السنوي 7.1%، وتلا التعافي فترة النمو السريع، وبدأت اليابان بالاقتراب من الغرب مرة أخرى وبسرعة تتجاوز بكثير سرعة التقدم ما قبل الحرب العالمية الثانية، فكيف تمكنوا من فعل ذلك؟

الاستفادة من التخلف

يبين أحد الباحثين اليابانيين أن “عامل النمو الأساسي المشترك في اقتصادي ما قبل وما بعد الحرب العالمية الثانية تمثل في ’’تخلف‘‘ الاقتصاد الياباني مقارنة بالاقتصادات الصناعية المتقدمة في العالم”.

ونظرا لأنه قادم من الخلف، تمكن من الإفادة بشكل كبير من التكنولوجيا المستوردة من دول أكثر تقدما، و’’التكنولوجيا‘‘ هنا لا تشمل المعرفة التقنية المتصلة مباشرة بالتصنيع فحسب، وإنما النظم الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسات.

التركيز على قطاع ذي انتاجية أعلى ودخل اجمالي اكبر للفرد

تمثل العامل الرئيسي الثاني في عملية إعادة تخصيص الموارد، ولا سيما القوة العاملة، من القطاع الزراعي ذي الإنتاجية المنخفضة نسبياً إلى القطاع الآخر الذي يحظى بإنتاجية أعلى ودخل إجمالي أكبر للفرد.

نظم اجتماعية موزاية

وإلى جانب ذلك اتبعت اليابان ساسات اجتماعية موازية، تمثلت بإزالة عقبات سادت في فترة ما قبل الحرب فيما يتعلق بالهجرة، وذلك بعد إجراء إصلاحات ما بعد الحرب التي قوضت نظام السلطة الأبوية.

حيث أنه وبموجب القانون المدني في فترة ما قبل الحرب، كان باستطاعة كبير الأسرة من الذكور إبقاء وريثه الذكر (عادة الابن الأكبر) في المزرعة، بدلاً من السماح له بالهجرة إلى المدينة.

ولكن وفق القانون المدني والدستور لما بعد الحرب، تم انتزاع السلطة الأبوية من مثل تلك السلطات الدكتاتورية، الأمر الذي ألغى عقبة رئيسية أمام الهجرة وإعادة توزيع القوة العاملة.

صناعة الذخيرة والسلاح

جانب آخر في إعادة تخصيص الموارد والنمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، كان التركيز على التغيرات المؤسساتية التي بدأت خلال الحرب، حيث قامت حكومة اليابان إبان الحرب بحزمة واسعة من الإصلاحات تهدف إلى نقل الموارد من أجل جهود الحرب، وأحد المحاور المهمة في جهود النقل تلك كان إعادة توزيع القوة العاملة إلى صناعة الذخيرة.

ومن الآليات البارزة كانت برامج “التوظيف الجماعي” التي ساعدت الشباب من المجتمعات الريفية على السفر الجماعي إلى المدن، بحثاً عن عمل لدى التخرج من المدرسة الثانوية.

أي أنه كانت لدى اقتصاد اليابان في فترة ما بعد الحرب قدرة كامنة هائلة موروثة للنمو من البداية، وهي قدرة ديناميكية مستمدة من عاملين رئيسيين: الأول الفجوة بين التكنولوجيا اليابانية والتكنولوجيات المتقدمة في العالم، والثاني وجود قطاع زراعي كبير بإنتاجية منخفضة نسبيا.

وساعدت التغييرات الشاملة التي أجريت خلال الحرب الاقتصادية على الاستفادة من هذه القدرة الكامنة وتحقيق نمو سريع، وعلى اللحاق بركب الغرب الصناعي في نهاية المطاف.

وبالنسبة إلى اقتصاد اليابان في الوقت الراهن، فتشير تقارير اقتصادية إلى استمراره في التوسع منذ أيلول 2017 والذي وصل إلى شهره الرابع والسبعين بداية عام 2019، كأطول توسع في فترة ما بعد الحرب العالمية.

 

 

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى