غسّان مسعود يقع في فخ ابنته و”هواها الغربي”
استغرب متابعو المسرح من وقوع الفنان والمخرج “غسان مسعود” في فخ نصوص ابنته “لوتس” للمرة الثانية، فبعد عدم نجاح العرض الأول “كأنو مسرح” على المستوى النقدي، ها هو يعود إلى “هوى غربي” من كتابتها، أو بالأحرى باقتباس غير معلن عن ثلاثة أعمال لتشيخوف.
النص يحمل مناخات تشيخوفية بطريقة لا تخفى على أحد، حتى لو لم تتم الإشارة إلى ذلك في البروشور، والمسرحيات هي “بستان الكرز”، “الشقيقات الثلاث”، “الخال فانيا”، مع تطعيم بسيط لـ”روميو وجولييت” شيكسبير.
يحكي العرض قصة عائلة مكونة من ثلاث شقيقات (نظلي رواس، روبين عيسى، ومي مرهج) وأخوهم (سيف الدين سبيعي) وبعد مجيء الشقيقات من باريس، تتكشف الأوضاع الاقتصادية المتراجعة نتيجة القروض الكثيرة، بحيث لا يبقى سوى بيع بيت العائلة كحلٍّ لمشاكلهم المادية.
ورغم معارضة الأخ، إلا أنه يرضخ في النهاية لاسيما بعدما أصبح أحد العاملين في أرض العائلة (لجين إسماعيل) صاحب أموال، وأقنعهم بأن قيمة البيت ستكون مهر زواجه من الأخت الوسطى التي طالما عشقها.
وفي موازاة ذلك نرى العم رستم (جسده جمال قبش) يستعيد نكسات حياته الواحدة تلو الأخرى، مثل مسرحية “الخال فانيا” التشيخوفية، بعدما كان دونجواناً في فرنسا وتشبهه الصبايا بعمر الشريف، ولم يجد حلاً لمشاكله المادية والاجتماعية سوى أن يبقى سكراناً وغير صاحٍ.
وكل أخت من “الشقيقات الثلاث” كما في عمل تشيخوف، تعيش حياتها بين الواقع والمأمول، فالكبيرة تعيش حياتها بالطول والعرض مع كثير من الرجال، أما الوسطى الروائية ففاشلة على الصعيد العملي، لذلك تقرر التقرب من الأجير السابق وصاحب الأموال الحالي لحل مشاكل العائلة.
أما الصغرى فتعشق عازف الكمان (مصطفى المصطفى) الذي حافظ على عهوده الصامتة في هواها أكثر من عشر سنوات، وبعد هذه المدة كانت هي في انتظاره كأنها لم تسافر إلى باريس ولم تغير من براءتها الأولى.
والمثير للجدل في هذا العرض هو انتفاء الوحدة العضوية بين الاقتباسات غير المعلنة، وعدم قدرة المخرج “غسان مسعود” على إيجاد رابط حقيقي بينها، لاسيما أن كل من أعمال تشيخوف يحمل رسالته الخاصة.
والغريب في الأمر هو دفاع صنّاع هذا العرض عن الأرستقراطية الهامدة لاسيما مع نهوض الرأسمالية الجديدة متمثلةً بمحدثي النعمة، من دون أن نعلم عن أي أرستقراطية يتحدثون في عام 2020؟ أم أن دفاعهم يعود إلى الأرستقراطية السورية البائدة منذ خمسينيات القرن المنصرم؟
خلل آخر في “هوى غربي” هو ضربه الدراما أحياناً، حيث كان الجمهور يضحك على المشاهد الأكثر درامية، وهذا ما يُسمِّيه نُقاد بالمسرح بـAnti theatre، وهو من أكبر العيوب الإخراجية، كما أنه من غير الجائز إظهار الشخصية السلبية في العرض (محدث النعمة الفاسد، الشبيح…) بهذه الصورة المحببة، ففي ذلك “ضد مسرح” من الناحية الفكرية.
ولم يكتف “هوى غربي” بعدم وجود وحدة عضوية على الصعيد الفكري، بل لم يتمكن “غسان مسعود” من تحقيق تلك الوحدة في عرضه، إذ اعتمد تقنية تقطيع المشاهد بإعتامات متكررة، جعلت من مسرحيته أقرب إلى سكيتشات منها إلى عرض متكامل.
كما لم يسعف العرض كمّ النجوم فيه، سواء الذين ذكرناهم أو إلى جانبهم “غسان عزب” و”عبد الرحمن قويدر”، لأن شخصياتهم مبتورة عن ماضيها، وبالتالي جاءت أفعالهم غير مبررة في معظم الأحيان، أو أنها باهتة ومجردة عن الواقع السوري في الزمن الحاضر.
واكب العرض موسيقى “نزيه أسعد” التي تنوعت بين الأغنيات الفرنسية، وأهزوجة “باريس مربط خيلنا”، وبعض رنَّات موبايل الفاسد من الأغاني الشعبية الخاصة بالدبكة، وموسيقى كمان، وأغنية الختام للسيد درويش، بينما جاءت إضاءة (جلال شموط) وظيفية في حدِّها الأدنى.
أما البطل الأكبر في “هوى غربي” فهو الديكور المتحرك (صممه هاني جبور) الذي وضعنا أمام بيت بالإمكان أن نطوي ملامحه بتغير ساكنيه، لينتهي العرض بانهيار العم أمام خريطة الاستثمارات السياحية الجديدة، وسط ذهول الجميع وعدم قدرتهم على الفعل.
أما الجمهور فلم تصله رسالة العرض المشتتة أساساً والتائهة بين واقعية تشيخوف من جهة، وأرستقراطية لم تعد موجودة في سوريا، وأحلام لا علاقة لها بنا من قريب أو بعيد.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر