ثقافة وفن

الحرب ونقيضها في “اليوم الأخير” الفائز بجائزة لجنة تحكيم مهرجان شرم الشيخ المسرحي

حازت مونودراما “اليوم الأخير” لمخرجها “يزن الداهوك” على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ‏شرم الشيخ للمسرح الشبابي الدولي.وضمت لجنة التحكيم الناقد والباحث الألماني “اشتيفان دونت”، الناقد ‏والكاتب السوداني “عصام أبو القاسم”، والناقد الفرنسي “عمر فرتات”، ورئيس المهرجان “مازن ‏الغرباوي”.‏

وجاء العرض نتاج ورشة عمل بإشراف “ممدوح الأطرش” قُدِّمت نواته في عرض خاص ‏للإعلاميين على خشبة القباني قبل سفره إلى مصر، ليأتي مملوءاً بالأسئلة عن: كيف تقف أنثى ‏بكامل بهائها أمام ذكورة الحرب وظُلْمِها؟ وهل تستطيع أن تنتشل نفسها من خواء الأيام التي تتكرر ‏ثقيلةً كما صخرة سيزيف إلى ما لا نهاية؟.

وفي ظل البحث عن الحب والأمان والطمأنينة والسلام ومعنى الوجود، ما الموقف الذي ينبغي ‏عليها السعي لاتخاذه والتعبير عنه والتأكيد عليه في مواجهة هذا الخواء والعبثية واللاجدوى وانعدام ‏الأمل؟.

كثافة في النص ودلالاته عن كاتبة مسكونة بالحرب وتفاصيلها، لكنها في الوقت ذاته رافضة لها، ‏ومتمردة عليها، وتسعى ما استطاعت لأن تكون شاهدة على الألم، ومسباراً لاختبار مداه على ‏الجسد والنفس البشريين.‏

أداء مميز لـ”الأطرش” تمكَّنت عبره من ملء فراغ الخشبة بحيوية، وتعزيز رؤية “الداهوك” من ‏حيث الاشتغال على المجازات الحركية بمستوى عالٍ، فاللغة وتجاوراتها بين الفصحى والعامية، ‏كانت رديفاً للغة أخرى اشتغلت عليها الممثلة، واضعةً نصب عينيها الحركة كمولِّد عظيم للدراما.‏

إذ تكثفت دلالات الجسد، وبات القلق الذي تعانيه شخصية تلك الكاتبة بمنزلة مُعزِّز للأداء، ولاسيما ‏أنها تسعى لتقديم شهادة عن هذه الحرب، ليس على الورق، وإنما أمام الكاميرا، ليُصبح البصري ‏طاغياً على المحكي، ولينتقل الحوار مع الذات، إلى درجة أعلى عبر تصعيده وتحويله لتعبير ‏بصوتٍ عالٍ وحركيةٍ مميزة، تتخذ من خلالها كل إيماءة بُعداً جديداً.‏

وتتراكم في الوقت ذاته أصوات القذائف وتتواشج مع صراخ الكاتبة التي تُحاول أن تعلو بصوتها ‏في محاولة لأن تكون ندَّاً لها، وللحرب التي جلبتها، وكأن في إعلاء الصوت رغبة لاكتشاف الذات ‏في مواجهة العبث المسيطر، فتلك الأنثى لم تعد تحب نفسها كما في الماضي، ولا الشعور بأنها لا ‏تملك شيئاً، بينما ينال غيرها الكثير. ‏

هنا تتوهج المُحاججة وتعلو النبرة في وجه ذَكَرٍ ما، أو ربما هو القهر بكامل رعونته وتسلطه: “أنتَ ‏لا تعرف معنى أن تجلس هنا وترى الشهور تتساقط”، وسط إضاءة مميزة لأدهم سفر اعتمدت على ‏الأصفر الخافت، مع موسيقا تعزز جو التوتر من خلال نقرات بيانو مستفزة أو سحبة وتر تشيللو ‏حزين”.

كانت الخشبة عارية إلا من كاميرا منتصبة وسط مقدمة الخشبة، ودمية قماشية ملونة، وامرأة لا ‏تُريد لشهادتها أن تنتهي بكل تلك القتامة، فتحتفل بعيد ميلادها، لتصبح “الأطرش” كلوحة الطفلة ‏الباسمة الباكية، في استعارة فنية لدراما مُضادة للحرب برغم أنها تستعير كل تفاصيلها منها، ‏ولاسيما عندما تنتقل ميادين تلك الحرب لتصبح “جوّانية”، فيعيش كل إنسان حربه الضروس مع ‏ذاته، ومجتمعه المتآكل والمتهالك.‏

يذكر أن النص نتاج ورشة عمل، والتأليف الموسيقي لأحمد اسكندراني، مصمم الحركة: أيهم ‏مؤمنة، ومصمم الاضاءة: أدهم سفر.‏

 بديع صنيج – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى