العناوين الرئيسيةموجوعين

أهالي كفريا والفوعة في العيد: حين يغدو العيد مناسبة للحزن

تُشكِّلُ الأعياد في حياة البشر موعداً للفرح والخروج من روتين الحياة وأعبائها، ليعيشوا جوّاً جديداً من اللقاء بمن يحبّون والاجتماع بالأهل والأصدقاء، وتبادل الزيارات، ولكنّ الأزمة التي مرّت على السوريين جعلت للعيد طعماً مختلفاً جدّاً عمّا اعتادوا عليه في الماضي.

للعيد طعم خاص عند من ترك بيته وقريته وهُجّر بسبب الإرهاب، ويقول أحد أبناء قرية الفوعة المحامي محمّد خير حاج صادق لتلفزيون الخبر إنّ “العيد بعد تهجيرنا من قريتنا أصبح غصّة بكلّ ماتعنيه الكلمة من معنى، قبل اندلاع الحرب في بلدنا كنّا كلّنا موجودين في قريتي الفوعة وكفريا وجزء من مدينة معرتمصرين وكان للعيد حينها سحره ورونقه الخاصّ اجتماعيّاً وروحيّاً”.

وذكر حاج صادق أنّ “كلّ أبناء القرية المقيمين خارج القرية كانوا يأتون إليها في أيام العيد للقاء الأحبّة والأقارب وزيارتهم ومعايدتهم”، مضيفاً ” العيد كان له شكلٌ ووقعٌ مميّزٌ اجتماعيّاً، وكنّا ننتظره بفارغ الصبر كلّ عام لأجل لمّتنا واجتماعنا في بيت العيلة”.

وأشار حاج صادق إلى أنّه “بعد التهجير افتقدنا للمكان الذي كنّا نجتمع فيه لنعايد بعضنا، لم يعد هناك مكانٌ يجمعنا، وإخوتي متفرّقون وكلّ واحد منهم يقيم بمحافظة وكذلك الحال لأبناء قريتي المشتّتين في عدّة أماكن”.

وأضاف حاج صادق “لم يعد هناك مقبرةٌ لنزور شهداءَنا وأمواتنا، أفتقد جدّاً قبر ابنتي الشهيدة جمانة (طالبة جامعيّة) في قريتي الفوعة، ويعزّ عليّ عدم زيارتي قبرها كلّ عيد، والتي استشهدت مع بداية عام 2013 بقذيفة غادرة”.

وبيَّن حاج صادق أنّ “الواقع المادّيّ السيِّئ جدّاً ألقى بظلال سلبيّة على حياتنا وقيّدها، حالياً لم يعد هناك قدرة مادّيّة للسفر لمعايدة أخي أو أختي في محافظة أخرى، لأنّ تكلفة السفر باهظة وتحتاج راتباً كاملاً فقط للمواصلات، وتقتصر معايدتي لهم على المكالمات الهاتفية”.

وأضاف حاج صادق أنّ “الوضع المعيشيّ المأساويّ الذي نمرّ به حرم الأب من إسعاد ابنه بإعداد الطعام المفضّل لديه، قديماً كان هناك فقر ولم يكن هناك جوع، ولكن حالياً هناك قسم كبير من أهالينا المهجّرين يعيشون الجوع بكلّ أشكاله”.

وأكمل حاج صادق “الناس مقتصرة حالياً على أكثر الأمور حاجة، هناك عائلات أعرفها تكمل شهرها على الخبز والزيت فقط”، مردفاً أنّ “المهجّرين من كفريا والفوعة ومعرتمصرين غالبيتهم يعانون ويعيشون ظروفاً قاسية لا مثيل لها وبقهر ووجع مرير وعليها التزامات كثيرة”.

بدوره، قال مدرّس حرفة في الثانوية الصناعية صفوان رحال لتلفزيون الخبر إنّ “العيد أصبح يوماً عادياً كمثل بقية الأيام في حياتنا، عندما يأتي العيد علينا هذه الأيام بدل أن نعيش الفرح والبهجة يزيدنا كآبة وحزناً، ويذكّرنا بأيام عشناها بالماضي وكأنها حلم”.

وأضاف رحال “قبل أن يتمّ تهجيرنا من منطقتنا كان لنا العيد يوماً عظيماً لما فيه من قدسية وروحية وبهجة اجتماعية وفرح بلقاء الأحبة والأقرباء، كنا نلتقي مع الأقرباء في صباح العيد عند قبور أمواتنا ونجتمع معهم على قراءة بعض من آيات القرآن نهديها لأرواحهم”.

وتابع “بعدها ننطلق لأداء صلاة العيد في مسجد حارتنا في جوٍّ من الألفة والمحبة، وعند الانتهاء من الصلاة نذهب إلى بيت جدّي للاجتماع بأقربائي وأعمامي وأولادهم وتناول طعام العيد معهم، حتى كانت مأدبة الطعام مميّزة لما تحويه من أصناف كالفريكة ولبنية والسفرجلية والمحاشي”.

وأكمل رحال “حياتنا أصبحت تتّشح باللون الأسود، والعيد قيمته بطقسه الاجتماعي الذي يحاكي مسقط رأسنا وأيام صبانا والتي لها وقع وتأثير كبير في نفوسنا افتقدناه جداً طيلة سنوات التهجير”.

من جهته، ذكر أحد أبناء قرية الفوعة مصطفى أسامة (موظّف في إحدى الدوائر الحكوميّة) لتلفزيون الخبر إنّه “كنا في الماضي وقبل التهجير نملك كلّ شيء وحالياً لا نملك شيئاً سواء أكان على الصعيد المادي أو على الصعيد المعنوي، عندما تمّ تهجيرنا لم نعد نملك سوى ذكريات وماضٍ كأننا لم نعِشْه”.

وتابع مصطفى بالقول “حالياً نعدّ أيامنا ونحاول أن نمضيها بأقلّ الأضرار، ولم يعد هناك طموح ولا مستقبل ولا أيّ شيء يذكر”.

وأشار مصطفى إلى أنه “عندما كان يأتي إلينا العيد أيام الحصار في قريتي الفوعة وكفريا، كنا نعاني جداً من قلّة الطعام وانعدام الأمان، وعندما كنا نزور أمواتنا وشهداءَنا صباح العيد كانت تنهال علينا قذائف المسلّحين من كل حدب وصوب”.

وأكمل مصطفى “لا نلبث أن نخرج من المقبرة حتى نعود إليها للمشاركة في تشييع شهيد نتيجة قذائف الموت التي تنهال علينا وكانت تستمرّ طيلة أيام العيد حتى إنّ أهالي القريتين يبقون ضمن الملاجئ وأقبية المنازل ولا يخرجون منها خلال أيام العيد”.

ولفت مصطفى إلى أن “المستشفى الموجود في قرية الفوعة كانت إمكانياته ضعيفة ويعاني من نقص حاد بالدواء وعدم وجود مخدّر، حيث كانت تتمّ العمليات الجراحية من دون تخدير”.

وبنبرة حزينة ذكر مصطفى أن “العيد عند الأطفال خلال أيام الحصار كان ممزوجاً بالدماء بدل أن نرى أطفالنا فرحين بالعيد وبهجته ويتسابقون إلى الأراجيح، كانوا يتساقطون كالورود أمام أعيننا فمنهم من استشهد، والآخر أصيب نتيجة قذائف الحقد والغدر والموت”.

وتابع مصطفى “أبسط مقوّمات العيد لم تعد موجودة ونفتقدها جداً حالياً، نحن الكبار نتحمّل كل هذا البؤس إلا أن الصغار هم الحسرة الأكبر، لم نعد نستطيع أن نسعدهم بشراء لعبة أو طعام مفضّل لديهم نتيجة تدهور الوضع المادي وسوئه”.

وهكذا يرى السوريون العيد سبباً للحزن بدل الفرح، بعد أن انقلبت بهم الدنيا، وصار الأمس القريب ضرباً من الخيال حتى كأنّه لم يكنْ.

يُشار إلى أنه تم تهجير أهالي الفوعة وكفريا وإخلاء القريتين على 5 دفعات بموجب اتفاق إيراني تركي سوري، حيث كانت الأولى بشهر كانون الأول عام 2015، وخرج فيها قرابة 332 شخصاً، والثانية بشهر نيسان عام 2016 وفيها قرابة 260 شخصاً، والثالثة بشهر كانون الأول عام 2016 وفيها مايقارب 900 شخصٍ.

أما الدفعة الرابعة فكانت على مرحلتين وسميت حينها بدفعة تفجير الراشدين وخرج فيها 8000 شخصٍ، حيث تعرض تجمع الحافلات التي تنقل أهالي القريتين لهجوم انتحاري في منطقة الراشدين غرب حلب، وسقط حينها أكثر من 126 شهيداً بينهم 73 طفلاً وقرابة 200 جريح، فضلاً عن ما لا يقل عن 200 مفقود.

في حين كانت الدفعة الخامسة والأخيرة وهي إخلاء القريتين من سكانها بشكل كامل، في شهر آب عام 2018 وخرج فيها قرابة 7000 شخصٍ.

الجدير بالذكر أن أهالي كفريا والفوعه في ريف إدلب تعرضوا لحصار دام أكثر من ثلاثة سنوات، من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة لعدة أسباب أبرزها تأييدهم للدولة السورية، ورفضهم أن يكون طريق قريتيهما الواصل بأوتوستراد باب الهوى ممر عبور للإرهابيين وسلاحهم.

علي رحال – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى