كيف تفحّمت “كستناء” السوريين وغابت طقوس شتائهم ؟
بين أيلول والتشرينين كان السوري التوّاق للحياة بمختلف طقوسها وأحوالها يعيش حالة من الشغف متلهفاً للتحضير والاستعداد بينما تعلو البسمة مُحيّاه، فعلى أعتاب الشتاء لابد من البدء بالخطط التي كانت تعدها النساء لتجهيز المونة ومستلزماتها التي لم تكن تتعدى حسبة بسيطة سهلة المنال.
بينما الرجل، فسرعان ما كان يهيّئ المدّفئة ويوفر مادتها للاشتعال، بكل مرونة ويُسر لتجتمع حولها العائلة في ليالي الشتاء الطويلة، وتتبادل الأحاديث وتحظى بدفء التفاصيل التي غابت في أغلبها عن شتاءات السوريين في السنوات الأخيرة.
“لابد من تأمين المازوت”
هذا ما بدأت به حديثها “مادلين” (سيدة سورية وربة منزل) لتلفزيون الخبر، خلال استطلاع أجراه حول أحوال السوريين تزامناً مع ماتعيشه البلاد، وتتابع “لا أتحمل الشتاء وبرودته وما كان يخفف وطأته علينا سابقاً أنه كان يحمل طقوساً مميزة كنت أعيشها في منزلنا الكبير مع زوجي ووالديه وأولادنا”.
وتضيف “أما اليوم وبعد خروجنا من منزل العائلة لضرورات استوجبها حصر الإرث العائلي بعد وفاة والد زوجي، بات الأمر صعباً”، متابعة “آجار المنزل، مستلزمات أولادي، والظروف المعيشية الصعبة أعمتنا عن النظر لأي طقوس”.
تكمل السيدة “عندما أعود بذاكرتي لمنزل أهلي قبل أن أتزوج أتذكر أيام الشتاء التي على الرغم من كرهي لها، كانت تشكل حالات خاصة لدي، كان المشي تحت المطر يسعفني لأشعر بإيجابية ما أحياناً وهذا ما كان يواسيني، أما اليوم فلا مواسٍ”.
بالانتقال إلى “أبو قيس” (60) عاماً، فيقول الرجل: “لا أعلم كيف كنا وكيف أصبحنا، لم يعد في هذه الحياة متسعٌ للبحث عن رفاهيات الشتاء التي كانت تشعرنا بزيارته لبلادنا، أعتمد على ذاكرتي كثيراً، وأشفق على أبنائي الذين غابت عن فترة شبابهم الطقوس التي عشناها في شبابنا”.
“المعطف القديم اهترأ”
هكذا تبدأ “نورا” (طالبة جامعية) حديثها، وتكمل “في مرحلَتَي دراستي الابتدائية والإعدادية اعتدت أن تصطحبنا أمي لأحد أسواق دمشق كي تحضر لنا كسوة الشتاء، كنت أقفز من فرحتي بالمعطف ذي اليديين المحشوتيين بالفرو الناعم”.
أما في السنوات الماضية للتو، تردف نورا “كنا نذهب أنا وصديقاتي إلى سوق البالة في دمشق، لنسرح ونمرح باحثات عن “اللقطات” من معاطف الشتاء الثقيلة لنجدها ونرسلها إلى التنظيف والكوي، ثياب أوروبية في أحلى من هيك”، بحسب تعبيرها.
لكن البالة وأسواقها المتنوعة في عاصمة البلاد، لم تسعف الطالبة الجامعية هذا الشتاء، حيث توضح قائلة: “ثياب البالة التي كنا نسارع إليها لم تعد كما كانت، خيبت آمالنا هي الأخرى، ارتفعت أسعارها لتراوح مبالغ غير مسبوقة”، مردفة “معطفي القديم اهترأ لابد من انتظار عودة الصيف رغم أن شمسه تحرقني”.
“لا كستناء ولاهم يحزنون .. الخبز المُقرمش هو الحل”
شابٌ سوري، يعمل كموظف في أحد دوائر الدولة، يعتبر أن “الحالة المتعبة تطغى على كل ما يمكن أن يوجه إليه السوري ناظريه، ويضيف “تعبنا من الندب، ووصلنا إلى سوء الأحوال تدريجياً، علينا أن تكون قد تأقلمنا، فالشتاء لايفرق عن الصيف على من تعلم التعايش”، يردد الشاب الثلاثيني كلماته المتتابعة تلك ثم يردف “ما في كستنا..منقرمش خبز”.
بينما تساءل آخرون، هل يتوفر الخبز، ويتساءل غيرهم لماذا كتب علينا العيش على الذكريات واستحضار الماضي، ولماذا عصرت قلوبنا الغصات بينما كان من الأجدر أن يكون “العصر” مقتصراً على حمضيات بلادنا الشتوية بمشروباتها التي تعدها الأمهات ؟.
روان السيد – تلفزيون الخبر