ليست معركة السوريين .. الأعراب يقاطعون المنتجات الفرنسية فهل يهزمون أنفسهم
سحابة ضخمة من الغضب القاتم تغطي البلدان العربية، هذا ما يمكن أن تراه عند تصفح مواقع التواصل العربية، بعد 21 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يوم تأبين الأستاذ الفرنسي الذي قُتل على يد متطرف في باريس.
التأبين الذي أدلى فيه الرئيس الفرنسي بتصريحات أغضبت العديد، ودفعتهم لإطلاق حملة مقاطعة البضائع الفرنسية، بتأثير مباشر من الرئيس التركي أردوغان، وقطر والكويت.
حملة جاءت بتوقيت حساس وذات طابع ديني لم يخفه الداعون لها، إذ إنها تأتي نصرة للإسلام وضد الإساءات المفترضة ضد الرسول محمد.
لا جديد في حملة المقاطعة هذه، إذ سبقها دعوة منذ عدة سنوات لمقاطعة البضائع الدنماركية، رداً على فيلم قيل إنه يسيء للنبي في 2012.
مقاطعة الأسماء التجارية
امتلأت مواقع التواصل بفيديوهات لأصحاب محلات تجارية يقومون بإنزال البضائع الفرنسية عن الأرفف أو يحطمونها غضباً، لكن الغريب هنا أن تلك البضائع أصلاً قد تم دفع ثمنها مسبقاً، أي أن الخاسر الوحيد هو التاجر المسكين الذي يغضب الآن “على حسابه”
وإذا كان الأمر مجدياً في تركيا وقطر والكويت، نظراً للعلاقة التجارية الضخمة التي تربط الأولى بالاقتصاد الفرنسي، والقوة الشرائية الضخمة للقطريين والكويتيين التي يمكن أن تؤثر فعلاً على تداول السلع الفرنسية، برغم قلة عدد سكان “المشيختين”، يبدو انتقال الأمر إلى دول أخرى مثل مصر وسوريا ولبنان نوعاً من السخرية السوداء لا أكثر.
وإذا أردنا أن نعد “المنتجات الفرنسية” التي يتم تداولها في تلك البلدان يبدو الأمر أكثر من مضحك، إذ إن البلدان الخليجية مقاطعة أصلاً منذ نشوئها للعديد من “المنتجات الفرنسية”، كحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية المرأة، بل إن مبادئ الجمهورية الفرنسية “حرية، مساواة، أخوة” تبدو مقاطعة منذ زمن بعيد، ناهيك عن “المنتجات الأخرى” كحرية الانتخاب.
كما أن هذه المشيخات هي أصلاً صناعة فرنسية أو غربية بالعموم، ولا تختلف نظرة الغرب بكليته للإسلام والمسلمين، فماذا يفعل “الأشقاء الغاضبون” في مشيخات الخليج؟
هل يقاطعون أنفسهم ويمتنعون عن تسمية دولهم بأسمائها؟ أم يلغون الحدود ويتجولون بحرية دون اعتراف بالحدود السياسية التي ابتدعها “الغرب الكافر”؟
السوريون والمقاطعة
تشابه السوريون مع المصريين بتناول الموضوع بشيء من الطرافة والسخرية، إذ يعلم الشعبان أن لا قيمة حقيقية لمقاطعتهم المزعومة تلك، فلا قدرة شرائية تسمح لهم أصلاً بشراء البضائع الفرنسية ليمتنعوا عن ذلك
لذا كانت السخرية طريقهم للتعبير عن غضبهم، ما بين من يدعو لمقاطعة “القبلة الفرنسية” أو “العود الفرنسي”، والعودة إلى القبلة على الرأس مثلاً أو “العود الشرقي المليان”، إلى إعادة تسمية الكرواسان بـ “هلال الدين” أو تسمية شانيل بـ “أم أحمد”.
تقول لي صديقتي بسخرية: عندي دزينة من الصحون الفرنسية وعشر كاسات، خاضت حروباً طويلة وبقيت سليمة قبل أن تورثني إياها أمي. هل أحطمها كرمى لعيون المقاطعين وآكل وأشرب في صحون ورقية”؟
تبدو فكرة المقاطعة في بلد مثل سوريا أشبه بطرفة غير مضحكة، إذ لا بضائع فرنسية ولا حتى غربية أصلاً في الأسواق، يوجد فقط أسماء فرنسية لمنتجات الله وحده يعلم مصدرها
هل تتوقف النساء عن استخدام الماسكارا أو الفوندتان ذات الماركات الفرنسية الوهمية، أم تكف عن استخدام “العطر المعبأ” بزجاجات صينية وهو لا يقرب لفرنسا إلا باسم الماركة؟
هل صدقتم أن “آزارو” و”جيفانشي” و”شانيل” هي حقاً عطور فرنسية وأنتم تشترون العبوة بألف ليرة سورية؟ وما هو البديل؟ هل تتعطرون بالتيمم “صعيداً طيباً؟
ماذا عن سيارات البيجو إيرانية الصنع والتي تمتلئ شوارع سوريا بها؟ ما العمل بإنتاج مشترك بين حليف وعدو؟ هل نفصل القطع المصنوعة في فرنسا عن القطع المصنوعة في إيران، ونضع بدل المحرك الفرنسي حماراً على سبيل المثال؟
المعركة برمّتها ليست معركة السوريين ولا المصريين، ولا الفقراء بشكل عام، هي معركة أقطاب كبرى لم يكن الفقراء فيها طرفاً مؤثراً يوماً ما، معركة بين فيلة، الخاسر الوحيد فيها هو الأعشاب الصغيرة التي تتهشم تحت الأقدام.
محمد أبو روز _ تلفزيون الخبر