مأساة “صبرا وشاتيلا” .. 38 عاماً و”تطبيعات”
هناك في مكان غير بعيد، وفي السادس عشر من أيلول من العام 1982 وقعت أشرس مجازر العصر وأكثرها فجاجة ضمن تاريخ البطش “الإسرائيلي” والتآمرات “العربية” على الشعب الفلسطيني وقضيته.
هو اليوم الذي ترتبط ذكراه بصور جثث الشهداء المكدسة في شوارع ذلك المخيم، في حين كانت أرواحهم تلّوح في سمائه غير آسفة لوداع ما قدر عليها من لجوء.
حيث كان مخيم شاتيلا للاجئيين الفلسطينين في لبنان (جنوب بيروت) على موعد مع مجزرة استمرت لثلاثة أيام أوقعت عددا كبيرا وسط تخبط في تحديده الدقيق، من المدنيين العزل شهداء، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وهي التي عرفت فيما بعد باسم “مجزرة صبرا وشاتيلا”.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أسست عام 1949 مخيم شاتيلا بهدف إيواء المئات من اللاجئين الذين تدفقوا إليه من قرى “عمقا، ومجد الكروم، والياجور” في شمال فلسطين المحتلة بعد عام 1948.
وأصبح ذكر هذا المخيم مقروناً بالمجزرة التي سبقها حصار “إسرائيلي” لمخيمات اللجوء الفلسطينية، وانتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العُزّل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تفِ بالتزاماتها وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم قتلاً وذبحاً وبقراً للبطون.
المجزرة وقعت في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت) وحي صبرا اللبناني الفقير، بعد يومين من مقتل بشير الجميل، لتبدو كأنها انتقاماً لخسارة عميل “اسرائيلي”.
كما جاءت مجزرة صبرا وشاتيلا بعد يوم من اجتياح القوات “الإسرائيلية” بقيادة “آرئيل شارون” (وزير حرب العدو آنذاك في حكومة مناحيم بيجن) غرب بيروت وحصارها المخيم، بناءً على مزاعم بأن “منظمة التحرير الفلسطينية التي كان عناصرها غادروا لبنان قبل أقل من شهر خلّفوا وراءهم نحو ثلاثة آلاف فلسطيني في المخيم”.
وقامت المجموعات اللبنانية بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة.
وارتكبت قوات الاحتلال “الإسرائيلي” والمجموعات اللبنانية مجزرة قتل فيها نساء وأطفال وشيوخ وشباب فلسطينيون عُزَّل، و غطت الجثث أراضي شوارع المخيم، قبل أن تدخل الجرافات “الإسرائيلية” لجرف المخيم وهدم المنازل لإخفاء الجريمة.
وقدرت المنظمات الإنسانية والدولية عدد الشهداء، بينهم لبنانيون وعرب وغالبيتهم من الفلسطينيين، بما يتراوح بين الـ 3500 إلى 5000 شخص، من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة.
وبناء على أثر المجزرة وبما يشبه التمثيلية، شكل العدو “الإسرائيلي” لجنة تحقيق خاصة، سميت “لجنة كاهان”، نسبة لرئيسها وأعلنت اللجنة عام 1983 نتائج البحث.
وأقرت اللجنة أن “وزير الحرب “الإسرائيلي” شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها، كما انتقدت رئيس وزراء العدو “مناحيم بيغن”، ووزير خارجيته “اسحق شامير”، وقادة المخابرات، مدعية أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.
وعام 2002، قتل الوزير اللبناني السابق إيلي حبيقة في انفجار سيارة ملغومة في ضاحية الحازمية في بيروت الشرقية، وقتل معه في الانفجار ثلاثة من مرافقيه، و رجح مراقبون وقتها أن اغتيال حبيقة جاء بعد أن أبدى استعداده للإدلاء بشهادته أمام الجنايات الدولية حول مجزرة صبرا وشاتيلا.
ورجح المراقبون أن تكون الاستخبارات “الإسرائيلية” من قام بالاغتيال، علماً أن حبيقة يعد من أبرز قيادات حزب الكتائب اللبناني، وكان من أبرز المتهمين في مجازر صبرا وشاتيلا التي تشكل جريمة إنسانية لا يمكن محوها.
وعلى الرغم من فظاعة تلك الجريمة اكتفى مجلس الأمن باعتبارها “مجزرة إجرامية” تستأهل إرسال المزيد من قوات الطوارئ الدولية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية ولم تتخذ أي إجراء بحق من ارتكبها، ليكون وقع ذلك الإجراء مدهشاً لدى من كان يعول على وجود منصفين.
يذكر أن ذكرى المجزرة الأبشع في تاريخ البشرية تتزامن هذا العام، مع تهافت عربي مهول للتطبيع مع كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، وتوقيع دولتي الإمارات والبحرين على “اتفاق” لتطبيع العلاقات مع الاحتلال برعاية أمريكية.
تلفزيون الخبر