فلم فرنسي قصير بمخرج أميركي طويل
لن نطلب من الأفارقة أن يغيروا لون بشرتهم، كما لن نطلب من “أبناء” فرنسا في لبنان أن يصححوا نظرتهم إلى العالم والتاريخ.
الاغتراب سمة المجتمعات الحديثة عامة، فكيف بمجتمع مأزوم ومهزوم كلبنان، مأزوم من حيث هويته الحالية في العالم، ومهزوم بطبقته السياسية التي تبدل ولاءاتها كما تبدل أغطية الأسرّة.
جاء “الرئيس السامي” و”خيي الكل” ماكرون إلى لبنان، وما إن أعلن عن زيارته حتى انتشرت وثيقة وقعها، كما تقول بعض وسائط الميديا، أكثر من 32 ألف مواطن لبناني، طالبوه فيها بـ”إعادة احتلال لبنان”، وبعضهم من الممثلين المشهورين والأوجه الإعلامية أيضاً…
الأمر ليس مزحة، هناك مواطنون لبنانيون قالوا بوضوح إنهم يفضلون الاحتلال الفرنسي على الاستقلال الوطني بوجود مجموعة سياسية كحزب الله.
وخلال مسيرته مشياً على الأقدام، كان الرئيس الذي تلقى البيض الفاسد على وجهه في بلده، يتلقى الدموع والقبلات و”الضمّات” العاطفية من المواطنين الذين رأوا فيه “رسولاً” من لدن العناية الإلهية لحمايتهم من “غزو أصحاب القمصان السوداء”.
لم يوفر الرئيس الفرنسي فرصة لتقريع السياسيين اللبنانيين ولا لإهانتهم، وقال صراحة لإنه لن يعطي نقوداً لحكومة فاسدة كتلك، إنما سيوزّع المساعدات “بمعرفته”، ومعرفته هذه تتضمن منظمات مشهود لها بـ”نظافة الكف” الغربية التي لا تشبه “نظافة اليد اللبنانية”.
الذهنية اللبنانية، الشعبية والسياسية، لا تخرج عن فكرتين أساسيتين: قوة لبنان في حياده أو في ضعفه، والنظام الريعي الذي يعيش على “الفائدة”، ولم تخرج المشاريع السياسية المتلاحقة في يوم، منذ الاستقلال الذي يطلب البعض اليوم استبداله بالانتداب، عن هاتين الفكرتين، سواء من الحكومات التي جاءت بعد اتفاق الطائف أو قبله: “بأمركم ياعمّي”، كما يقول زياد رحباني، في مسرحية “فيلم أميركي طويل”.
نستطيع أن نجد أجوبة كثيرة عن حالة الانسحاق الكلي التي يعيشها لبنانيون في كتاب فرانز فانون “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء”، نستطيع أن نرى هذا الانسلاخ الكامل عن “لبنانيتهم” وشرقيتهم، واعتبار أنفسهم أبناء مهملين للأم الحنون فرنسا،
نستطيع أن نرى العبودية الذليلة وهي “تشرشر” من بيانات التلفزيونات “الانعزالية” كما كانت تسمى في الحرب الأهلية، ورفضها لبشرتها “الشرقية” بحثاً عن “جين” واحد صغير، ولو كان نتيجة سفاح أو اغتصاب، تربطهم بالأم الحنون، ويظهر ذلك بوضوح عبر الـ”بونجوغ” اللبنانية.
جاء الرئيس الفرنسي حقاً، لكنه جاء على حصان أميركي وفي فيلم أميركي، ولم يجد سياسياً واحداً يطالبه باسترداد الأسير اللبناني المتهم زوراً والمسجون منذ عقود في واحدة من أعرق قلاع الديمقراطية “جورج عبدالله”، رغم انتهاء محكوميته.
ولم يجد سياسياً واحداً يسأله كيف سيساهم في فك الحصار عن لبنان ويساهم في دعم ليرته المنهارة، بل وجد مطبلين يرددون كما في رحلة مشفى المجانين في مسرحية زياد تلك: “راجعة بإذن الله على أنحس بإذن الله”
محمد أبو روز – تلفزيون الخبر